السطور المقبلة تصلح «كورسًا مكثفًا» في كيفية صنع وترويج أجهزة المخابرات للأخبار «المفبركة»، وكيف تقع وسائل الإعلام في «الأفخاخ» الاستخباراتية المعدة بدقة. بدأ الموضوع بخبر احتوى على كل عناصر الإثارة والتشويق التي لا يمكن أن يقاومها أي صحافي محترف، رؤساء عرب وأجانب، جاسوسة حسناء ذات تاريخ «مشرف» مع بلدها، الموساد الإسرائيلي، وزيرة خارجية سابقة، ممارسة الجنس مع الرؤساء والحصول على معلومات خطيرة، ثم يكتمل التشويق بالتأكيد على وجود «قائمة» تضم أسماء «الزعماء» العرب الذين سلموا «أعز ما يملكون» للجاسوسة الحسناء، ومعها أسرار دولهم، ثم تصل «الإثارة» قمتها بإعلان اسمين لقياديين فلسطينيين بارزين جدًا، وتابعين للسلطة الفلسطينية أحدهما مسؤول عن ملف المفاوضات مع إسرائيل!! هل هناك أكثر من ذلك إثارة: جنس وجاسوسية، وخيانة، وزعماء عرب بالاسم.. يضاف إليهم «فتوى دينية يهودية بإباحة زنا «عميلات» الموساد للحصول على المعلومات وداخل «ورشة» عمل استخباراتية يتم «طبخ» كل هذه العناصر ووضع «التوابل» و«البهارات» اللازمة عليها ونشرها على موقع صحيفة لبنانية ذائعة الصيت ومعروفة بعلاقتها «الوطيدة» بحزب الله اللبناني الشيعي، في شكل: (اعتراف وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة ورئيسة حزب «كاديما» اليهودي وعميلة الموساد السابقة المعروفة ب«حسناء الموساد»، اعترافها بأنها «مارست الجنس» بهدف الحصول على معلومات والإيقاع بعلماء وشخصيات عربية وعالمية خلال فترة عملها السري مع جهاز «الموساد») (المخابرات الخارجية الإسرائيلية). ويكمل الخبر «المفبرك» على الموقع الإلكتروني للصحيفة اللبنانية «المحترمة» أنه: «كشفت «ليفني» في مقابلة نشرتها مجلة «التايمز» عن تفاصيل فترة عملها في «الموساد»، وتفاخرت بأعمالها البطولية بتنفيذ إسقاط شخصيات مهمة عن طريق إيقاعهم في عمليات جنسية، ومن ثم ابتزازهم لتقديم تنازلات سياسية لصالح الموساد، وأكدت خلال المقابلة أنها مع القتل وممارسة الجنس إذا كان الهدف الإتيان بمعلومات تفيد إسرائيل». ثم يضيف الخبر أن هناك «فتوى» للحاخام الشهير «آري شفات» بإباحة ممارسة الجنس للنساء الإسرائيليات مع الأعداء للحصول على المعلومات، وهو ما تسمح به الديانة اليهودية. ثم تستصرح ال «سي.إن.إن» زعيم اليهود الإيرانيين الحاخام «ما شاء الله نجاد» ليرد على «فتاوى» الحاخام الإسرائيلي، ليؤكد خطأه وحرمة إباحة الزنا لليهوديات، ووصفه الحاخام «شفات» بأنه يستحق الرجم! وأخيرًا تأتي المفاجأة المدوية، وذروة القصة بإعلان اسمي القياديين الفلسطينيين اللذين زعم الخبر أنهما وقعا في فخ «حسناء» الموساد. وتم تصويرهما فيديو وابتزازهما، على طريقة فيلم «السفارة في العمارة»!! .. وعلى مدى 5 أيام كاملة لم يفكر أي ممن ذكر أسماءهم الموقع الإلكتروني اللبناني المقرب من حزب الله في «نفي» أو «تكذيب» أو «توضيح» الخبرين المنشورين داخله وهم: الموقع نفسه، صحيفة التايمز، صحيفة يديعوت أحرونوت، تسيبي ليفني، القياديان الفلسطينيان!! وبين اليوم الأول والسادس تناقلت المواقع الإخبارية، وكثير من الصحف المحترمة في العالم العربي كله «القصة» المشوقة عن «حسناء الموساد» والرؤساء والقادة العرب، وقائمة الأسماء التي سيكشف عنها لاحقًا! والجميع صامت، حتى تحقق الهدف المطلوب، وانتشر الخبر «المفبرك» وحقق أهدافه «المسمومة»، بالتعاون مع الصحيفة «المحترمة» وجهاز استخبارات حزب الله، والموساد، وأحد أجنحة الأمن الفلسطينية. ليخرج بعد ذلك أحد «المقربين» من «ليفني» ليقول إنها ضحكت عند سماعه، ويخرج أحد القياديين اللذين ذكرا بالاسم لينفي التهمة بعد أن استفسر من «السلطات» الإسرائيلية وبعد 6 أيام عن نشر الخبر! المغزى: لا تصدقوا كثيرًا من الأخبار «المفبركة» على المواقع، وعندما تقرأون «نقلاً عن» تأكدوا..، أما عندما تقرأون: «وقالت مصادر مطلعة»،.. فتشككوا مئة مرة.. أن تصيبوا قومًا بجهالة أو بسهم «غير» طائش لجهاز مخابرات مغرض. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66