كان عكرمة, وكان من أشد الأعداء لمحمد - صلى الله عليه وسلم-, ولأبيه درك أسفل بالنار, وكان عكرمة دمه مهدر, ومطلوبًا مقتولًا أو حيًا, فهرب وركب السفينة, وشقت البحر, فاهتز البحر, وبلغت القلوب الحناجر, وأخرج الموت لسانه أمواجًا... الراكبون شارفوا الموت فزعًا, وشارفهم الموت غرقًا.. قال قبطانها: "إن هذا يوم لا ينفع فيه غير أن ندعو الله وحده". فنظر عكرمة إلى السماء, وقد ضاقت الأرض, وعرض البحر تأشيرة ابتلاع.. قال عكرمة: "اللهم إن كان لا ينفع في البحر غيرك, فلا ينفع في البر غيرك, لإن أنجيتني لأضعن يدي في يد محمد". كل يوم يمر, يكبر معظمنا يومًا, ويكبر بعضنا عامًا, وقد يكبر البعض أعوامًا... كل يوم نرفض مواجهة الحقيقة, والحقيقة باختصار: أن البحر له, والبر له, والسماء له, فلا نافع سواه, ولا كاشف البلوى إلاه. كان رجل يريد أن يصير رجلًا, وكان زرعٌ يريد أن يطيب و يشتد عوده.. الرجل كالزرع, لا يشتد إلا بالحرارة, بلغ الرجل أربعين سنة, وحتى يبلغ أشده, تكالبت عليه الهموم.. دق قلبه بعنف, قال الطبيب: "أزمة قلبية" قال صديقي: "بل القلب هو الأزمة". أصبح صدره ضيقًا حرجًا,لا يتسع إلا بحبة تحت اللسان.... نظر وفكر, فأدبر, ثم عاد يفكر, فاستيقظ وأبصر, فوجد أنه بالحرارة يطيب الزرع, وبالشدائد تعرف القواميس معنى كلمة "رجل". وقف رجل أمام الدنيا, فتح صدره لهواء قادم من خلف الجبال العوالي, جاءته الريح مزمجرة تطيش بصخور الجبال,... ضحك الرجل أو بكى قائلًا: "هات يا دنيا هاتِ, فلا أنت دائمة, ولا أنا فيكِ مُخَلّد, ولا شيء منك يصاحب النازل إلى القبر, وفي باطن الأرض متسع لو يعلمون". قيل له: "لا تتمنى الموت.. فإن هول المطلع شديد".. بكى وتذكر سيده صلى الله عليه وسلم الذي أصابته الدنيا أكثر, وكان يبتسم, فتبسمت له السماء.. واصطفاه الرفيق الأعلى فاختار سيدي الرفيق الأعلى.. أما نحن فلا نعلم, ولو علمنا لفاضت البحور دمعًا. قيل له: أنت غامض, وغير واضح وضعيف وركيك, وتنطح في الصخر.. فوضع شماله فوق صدره, وبكى قلبًا أرق من ماء الورد, وبعض الماء ينبت به الورد في الصخر. وقف صاحبي في البرية, وزعق: "يا رب,, هل هناك رب غيرك!, إذن أنت تعلم ولا غيرك ينفع, فارحم لحمي من التجربة". هل عندك شك في لطفه؟! [email protected]