لقد قامت ثورة يناير بلا قائد. مما كان يعني أن الأمل كان في النخبة لتولي القيادة والعبور بالوطن إلى بر السلامه والأمان. ولكن يؤسفني أن أقول أن النخبة هي التي خذلت هذا الوطن وأوصلتنا إلى من نحن فيه. فكما خذلت غالبية الاحزاب الوطن قبل الثورة ، بتقاعسها عن التصدى للنظام السابق ، بل وبمسايرتها له. خذلته بعد الثورة بضعف قيادتها للأخذ بزمام الامور والنهوض بالامة. بل إنها تمادت الى ما هو أبعد من هذا بالتكالب على جسد هذا الوطن تنهش منه بقدر ما تستطيع ، ولو كان فى هذا تدميره. ورأينا منها ما يلى : 1. العمل على تحقيق اكبر مكاسب لها بدون النظر الى الصالح العام للوطن. ودور الاحزاب فى إصدار قانون مجلس الشعب بالقوائم المعيب معروف للعامة. وما نتج عنه من تمثيل كارثى لم يعد على الوطن بأى فائدة تذكر ، غير خسائره المالية والتشريعية والاستقرارية. 2. ضرب الخصوم مع محاولة كسب مواقف سياسية ورضا طوائف دينية او عرقية او فئوية ولو على حساب الوطن ومصلحة وولاء مواطنيه. وذلك مثل : • عرقية : كالادعاء بالباطل بعدم وجود ممثلين لسيناء أو للنوبة في لجنة الدستور !! مما سيدفع بأهالى هذه المناطق – لعدم علمهم بالحقيقة – الى الاحساس بالظلم والتهميش ، ويؤثر على احساسهم بالولاء و الانتماء للوطن. فلو كان هؤلاء النخبة لا يعلمون بوجود ممثلى لهذه المناطق بلجنة الدستور فهذه مصيبة أن يكونوا بهذا الجهل. ولو كانوا يعلموا ويدعوا بالباطل فهي مصيبة أكبر وجريمة فى حق الوطن. بل أنني اعتبر ذكرها حتى لو كانت صحيحة خيانة للوطن لما لها من تبعات وآثار. فاننى من الذين يميلون الى السكوت عن بعض التجاوزات إن وجدت ، إن كان ذكرها يمس السلام والاستقرار الوطني. وسوف أذكر مثالا لما قام به مثل من صناديد المعارضة الوطنية قبل الثورة وهو الوالد / أحمد طه – عضو مجلس الشعب يرحمه الله. حيث أنه كان قد قدم استجوابا للفساد في الاقتصاد المصري. وعندما رأى ان هناك تغيرا في الظروف الدولية وإن هذا الاستجواب سيتم استخدامه ضد مصلحة الوطن. قام بسحبه ذاكر " لقد قدمت الاستجواب لمصلحة مصر واسحبه لمصلحة مصر". لقد كانت الوطنية المصرية تعارض لمصلحة الوطن. وتعلم عن ماذا تتكلم ومتى تتكلم ومتى تصمت ولا يحركها إلا الصالح العام. بل إن خطورة هذا الإدعاء الباطل ، أنه يضرب المواطنة والولاء للوطن في مقتل ، ولم نر له في الخارج من وجود. فلم نسمع أنه تم في أمريكا التأكد من مشاركة الهنود الحمر أو السود أو الأقليات المسلمة أو اللاتينية ووجود ممثلين لجميع الولايات والمناطق الامريكية و... خلافه عند أي مناقشات دستورية. و لا حتى مناقشة نسبة الاقليات العرقية او الدينيه فى الوطن إلى عدد وجودهم بالمجالس النيابية او الحكومة. ورغم أن نسبة المسلمين في فرنسا تزيد عن نسبة المسيحيين في مصر. فلم نرى مسلما واحدا في الحكومة إلا في الحكومتين الأخيرتين. وحتى في الحكومة السابقة تم عزل الوزيرة الوحيده المسلمة ، ومع ذلك لم يتم النظر إلى هذا الامر بطائفية أو الإدعاء بإضطهاد. لأن العبرة هنا بالكفاءه فقط ، فالكل فرنسيون. لذا فلا يجب تقسيم الوطن إلى سيناء والنوبة و ... غيرها. فالكل مصريون فقط ، ويجب أن ينظر إليهم على ذلك. وان يكون المعيار الوحيد للاختيار هو الكفاءه. والكفاءه فقط بغض النظر عن الجنس أو السن أو الدين. • دينية : وذلك مثل مسايرة الإدعاء الباطل بوجود تهجير قسرى للمسيحيين. وذلك بدلا من توضيح الحقائق ووضع الامور فى نصابها الصحيح (مقالى "ليست طائفية .. ولكن محاولات لزرعها" بجريدة المصريون فى 20/10/2012). وخاصة وان مسايرتهم هذه تعنى تثبيت هذا الزعم الباطل فى عقول غالبية المواطنين ، واحداث فرقة فعلية. فلو كانت مسايرتهم هذه بجهل - وهم النخبة كما يدعون - فهى مصيبة ، وإن كانت بمعرفة فهى مصيبة أكبر وأفدح وأخطر !! وذلك لأنه سيتم إفقاد هذه الطائفة ثقتها وحبها للوطن ، بل وتقسيم الوطن ولو قلبيا. • فئوية : وذلك بتأييد بل وتشجيع المظاهرات والاعتصامات والاضرابات الفئوية. رغم عدم صحة بعضها ، وعدم مناسبة الوقت للبعض الآخر فى الظروف الحالية. وما تمثله من خطورة من انهيار الوطن وتأثر الخدمات الواجبة لباقى المواطنين وتعدى على حقوقهم. فلا يمكن ان يطالب بحق ، بالتعدى على حقوق الغير. 3. رفض ما يقوم به الطرف الآخر محاولا اضعافه. وذلك بغض النظر عن صحة قرارة من عدمه ، وبغض النظر عن المصلحة العامة ومصلحة الوطن. 4. و الأسوء من كل هذا إنهم يتركون الوطن يدمر عندما تغيب عنهم الفائدة من كسب مواقف سياسية أو رضا طائفة دينية أو عرقية أو إضعاف خصم. فكيف بمصر بأن تقبل برفع علم ما يسمى "دولة إقليم الصعيد المستقل" والمطالبة بمنحه حكمًا ذاتيًا مستقلاً وذلك فى مظاهرات القوي الوطنية ضد الاخوان بميدان التحرير. وكذلك إنزال العلم المصرى وقيام السلفيون المجاهدون برفع العلم الاسود " علم القاعدة " مكانه بسيناء !! وقد كانت هذه هى المرة الثانية لرفع علم الصعيد ، حيث رفعه عمال الغاز أمام مجلس الوزراء مهديدين بالانفصال !! لمطالب فئوية !! فكيف تصمت قوانا السياسية امام هذا ، وهى جميعا على علم بمخططات التقسيم لمصر ، ومنها فصل الصعيد و سيناء !! فلم نسمع صوتا الا ل 3 أحزاب فقط فى حالة علم الصعيد ، ومنها من كان نشاذا وفحيحا ، !! حيث وصل الامر بأحد هذه الاحزاب الثلاث "حزب التجمع" - رغم علمى بقياداته وثقتى فى وطنيتهم - بأن يعلن منسقهم العام تأيده التام لدعوة الانفصال لجنوب الصعيد !! اما باقى جميع القوى السياسية والتى يصعب على ان أقول عليها الوطنية فى هذا الحالة فلم يكن لها وجود !! أوصلت العداوة للخصوم ، والانشغال عن الوطن لعدم وجود مصلحة الى هذا الحد ؟! وهان الوطن الى هذا المدى !! ولو كان فى هذا تدميره !! فلا نامت أعين الجهلاء.. وقد كانت اللجنة التأسيسة للدستور لمثالا على هذا التدني وذلك حيث ان الحرب التي كانت تدور حولها كانت بين فصيلين وهما :- 1- الإسلاميين وهم قاموا بتغليب مبدا أهل الثقة على أهل الكفاءه. 2- كثير من الأحزاب والقوى السياسية والتي لم تكن تعترض لفكر ، ولكن تعترض لرفضها الإسلاميين. وكانت تريد هى ايضا أن تعطي دورا اكبر لأهل الثقة ولكن لمن هم يوافقوها وليس لأهل الكفاءه كذلك. فلم نسمع من أى منهما من يتكلم عن معيار الكفاءة ولو بالخطأ. رغم أهمية موضوع الدستور ، وأهمية الكفاءه فيه. هذا فضلا عن بعدها عن الهدف الرئيسى من تحقيق الإرادة الشعبية ، لصالح تحقيق الإرادة والرغبة الحزبية. وفي المقابل رأينا المعارضة بدأت من الأساس برفض أي منتج من اللجنة ومحاولة حل اللجنة ذاتها بالضغوط أو الإنسحابات ، بحجة أن تشكيلها لا يعبر عن توافق وطني ولا تمثل طوائف الشعب بشكل صحيح. وهي كلمات أكثر من مطاطه. فما معنى التوافق الوطني ؟ هل هو رضاءهم ؟! وما بالنا وإن جميع الأحزاب في مصر لا تمثل اليوم الإ 5 % فقط من الصوت السياسي !!! اما عدم تمثيل طوائف الشعب فهو إدعاء خطير لانه يضرب المواطنة في مقتل ويؤثر على الولاء للوطن. ويقسمنا شعوبا وقبائل وينسى انه يجب اعتبار الجميع مصريون فقط. وأن يبنى الأختيار على أساس الكفاءه. كما تم مناقشته عاليه. وكانت الطامة الكبرى بإختصار النخبة للمناقشات والاعتراضات على الدستور على مجال الحريات والشريعة. وترك باقى جميع مواد الدستور – بإستثناء القضاء – مع ما فيها من مخاطر يمكن أن تدمر الوطن ، وخاصة لما قد تسببه من نتائج وآثار قد يصعب تدارك آثارها (مقالى " الدستورالمشوه ... أخطر وأضل سبيلا " بجريدة اليوم السابع فى 7/11/2012). خاصة وانه سيستحيل معالجتها فى الزمن القريب ، وذلك لحمايتها دستوريا بالنص الغريب فى الدستور بحظر تغيره لمدة 5 / 10 سنوات !! لذا فقد كان من الطبيعي أن نرى دستورا مشوها لأنه لم يبني بكفاءه ، ولم يناقش بشكل كامل او موضوعى ، وحاول إرضاء الخصوم بعمل بعض التنازلات لهم بغض النظر عن تحقيقها للإرادة الشعبية. إن مصيبتنا أصبحت الآن ان كل فيصل يعارض الآخر بغض النظر عن صوابه من خطأه ، بل وبدون النظر حتى للصالح العام ولا لمصلحة الوطن. فبقدر ما كان أملنا في النخبة. أصبحت نخبتنا .. هى مصيبتنا. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]