في لقائي بأعضاء البرلمان الجزائري عن حزب النهضة الذي يتزعمه الشيخ عبد الله جاب الله ، وهو اللقاء الذي تم في مبنى البرلمان الجزائري وحضره سبعة من أعضاء البرلمان منهم سيدة فاضلة ، كانوا يتحدثون عن أسباب الخلاف بينهم وبين زعيم الحزب عبد الله جاب الله ، وكنت قد طلبت هذا اللقاء لكي أفهم القضية من أصحابها وأتأمل في خبرة سياسية إسلامية مهمة لنا في مصر ، تحدثوا جميعا ، وحاصل الكلام أن جوهر الخلاف أنهم أرادوا إدارة الحزب كمؤسسة سياسية مدنية لها أجهزتها وأدواتها ومؤسساتها التي ينبغي أن تحترم ولها آليات لصنع القرار وآليات أيضا لصدور القرار ونظم للمحاسبة والرقابة ، بينما زعيم الحزب الشيخ عبد الله جاب الله ، أراد أن يتصرف بمنطق المشيخة والمرشد العام والمربي ، وهو الأمر الذي رفضوه بالكلية واعتبروا أنه يمثل إضرارا بالحزب وبالمجتمع ، أحدهم قال لي إننا من الممكن أن نشارك في الحكومة المقبلة ، كيف يمكننا أن ندير وزارة أو نحكم دولة بمنطق المرشد العام ومنطق التنظيم السري ، فيما بعد علمت أن نفس الخلاف وقع في حركة " حمس " الممثلة للإخوان المسلمين في الجزائر وزعيمها الحالي الشيخ بوجرة السلطاني ، وهناك بوادر انشقاق واسع يحاولون لملمته قبل استفحاله ، نفس المشكلة ، الجيل الجديد الذي خاض المعترك السياسي ، وعرف قيمة التجربة الحزبية ، والعمل المؤسسي المشروع ، يرفض أن يعود إلى منطق الجماعات ومكاتب هيئة الإرشاد وتوجيهات المرشد العام ، هو يريد أن يؤسس لبنية سياسية مدنية لها مظلتها الإسلامية ، لكنها تعمل وتنشط وتتحرك كبنية مدنية وفق المتعارف عليه من آليات العمل السياسي المشروع ، وبالمناسبة فحزب النهضة في الأساس كان جزءا من الإخوان المسلمين في الجزائر ثم انشق عن الجماعة لأسباب فكرية وسياسية ، فخرج الشيخ عبد الله جاب الله ومعه قطاع كبير وحقق نجاحا وأصبح الآن القوة الثالثة في البرلمان ، كما أنه في مرحلة النزاع بين حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ وبين السلطة الجزائرية تحالف الإخوان هناك مع الحزب الحاكم والجيش ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، ويذكر المهتمون في مصر الحوار المثير الذي أجرته صحيفة الأهالي لسان حزب التجمع مع زعيم حركة حمس الراحل الشيخ محفوظ نحناح عندما زار القاهرة ، الذي هاجم فيه الجبهة بقسوة شديدة ودافع عن العسكر ورفض عودة الجبهة كحزب سياسي بدعوى أن الدستور لا يسمح بأحزاب على أسس دينية ، وهو وياللمفارقة نفس الذريعة التي تتخذها السلطة في مصر ضد السماح للإخوان المسلمين في مصر بتأسيس كيان سياسي مشروع ، وبشكل عام فالأجيال الجديدة في الحركة الإسلامية أكثر قربا من العمل السياسي بمفهومه الحديث وأكثر قدرة على التجاوب مع الأفكار الجديدة ، وأكثر تخففا من أعباء الماضي وإرثه الكئيب بين الفصائل والتيارات ، وأكثر انفتاحا على الحوار مع الآخر ، ولذلك يكون من العبث تجاهل هذه الطاقات الكبيرة ، وحرمان الحراك السياسي من حيويتها ونشاطها ، وحرمانها هي من المنابر السياسية التي تعبر عنها ، تحت مظلة الدستور والقانون ، وكما أشرت من قبل ، فتجربة الجزائر تكشف لنا إلى أي مدى تمثل الحالة الإسلامية بحرا واسعا من الأفكار والرؤى والاجتهادات ، وليس مجرد كتلة واحدة تحتكر الحق والحقيقة على النحو الساذج الذي يكرره بعض "عواجيز السياسة " في بلادنا . [email protected]