تشهد إيران الآن إرهاصات أزمة اقتصادية كبيرة على وشك الوقوع، وتتوقع دوائر صناعة النفط الغربية استمرار حالة التراجع فى صادرات طهران النفطية خلال الأشهر القادمة -وهي تتراجع بالفعل منذ عقدين- بعد اتخاذ الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء الماضى قرارا بتعميق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة تكشف تراجع صادرات البترول الايرانية خلال سبتمبر الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ العام 1988، ما أثر بدوره على دخل إيران وقدرتها استيراد احتياجاتها الخارجية، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران جراء برنامجها النووي الذي تعارضه إسرائيل والولايات المتحدة، بزعم أنه برنامج تسلحي، بينما تصر إيران على أنه برنامج للاغراض السلمية. وبحسب البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، تراجعت صادرات النفط الإيراني في سبتمبر الماضي بواقع 220 ألف برميل يوميا، لتسجل 63ر2 مليون برميل يوميا على مدار الشهر ذاته الامر الذى عزز بدوره اسعار برميل النفط فى الاسواق الدولية . ويقول مراقبون إن توقعات انخفاض معدل تصدير النفط الإيراني خلال شهرى أغسطس وسبتمبر الماضيين كان لها ما يبررها، نتيجة إحجام شركات تأمين عالمية عن إصدار بوالص التأمين على الناقلات التى تحمل النفط الايرانى وهى المشكلة الحقيقية التى تسعى الحكومية الايرانية الى الالتفاف عليها، وتتعاظم مساعيها فى هذا الصدد كلما أبدت مؤسسات التأمين على صناعة النفط ونقله التزاما أكبر بما نصت عليه العقوبات التى فرضها الاتحاد الاوروبى على النفط الايرانى منذ الاول من يوليو الماضى وقام بتغليظها قبل اقل من أسبوع. وبمقتضى العقوبات الاوروبية، بات محظورا على شركات التأمين الاوروبية إصدار بوالص على حركة ناقلات النفط الإيراني، ما أثر بدوره على إمدادات النفط الايرانى الى بلدان فى خارج الاتحاد الاوروبي. ويتوقع مراقبون تعقدا أكبر في الموقف خلال الأشهر القادمة، وأن تواجه إيران مشكلة حقيقية فى الوفاء بالتزاماتها التعاقدية لتوريد نفطها إلى مناطق عدة فى العالم، في مقدمتها بلدان آسيا. وتسعى طهران إلى إيجاد غطاءات تأمينية مناسبة لشحناتها المصدرة عبر الناقلات، ولعل هذا هو ما دفعها إلى الإعلان عن نيتها الاتجاه لبناء ناقلات النفط العملاقة للاعتماد على ذاتها فى نقل بترولها، لكن هذا ليس بالأمر السهل من جانب الخبراء فضلا عن تكلفته العالية وتحديات الوقت المطلوب لإتمامه. وتراجعت صادرات النفط الإيراني إلى آسيا فى سبتمبر الماضى الى 860 الف برميل يوميا، بعد أن كانت تصل إلى 2ر2 مليون برميل يوميا بنهاية العام 2011، كذلك كان فارق التراجع فى صادرات النفط الايراني الإجمالية بين سبتمبر الماضى وأغسطس السابق عليه هو 400 الف برميل يوميا، طبقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية التي أشارت تراجع مكانة ايران ضمن قائمة المصدرين الكبار لدى منظمة "أوبك"، لتحل العراق مكانها. ويقول مراقبون أوروبيون إن الحزمة العقابية الأولى فى يوليو الماضى ضد ايران بدأت تحقق أهدافها، ومن غير المستبعد أن يعمق الاوروبيون عقوباتهم ضد إيران بإضافة حزم عقابية جديدة تطال قطاعات التصنيع والمصارف وخلق عقبات جديدة امام تصدير الغاز الطبيعى، وإصدار ضمانات ائتمان التمويل التجارى، ما سيحد من نشاط التجارة البحرية لطهران التي تصل عبرها المواد والسلع الغذائية. وينفق الإيرانيون سنويا ما يتراوح بين 10 و12 مليار دولار أمريكى على استيراد السجائر وورق الحائط والهواتف المحمولة والأثاث والملبوسات والسيارات، وغير ذلك من السلع الترفيهية والكماليات. كما وجهت الحكومة الإيرانية دعوة التقشف ذاتها إلى رجال الأعمال والمصنعين المحليين، وناشدتهم الاعتماد على البدائل المحلية فى الإنتاج وخفض الاعتماد على مدخلات الإنتاج المستوردة من الخارج. وأنشأت ايران مركزا تمويليا لمستوردي النفط المكرر المحليين يباع فيه الدولار الامريكى بسعر يقارب السعر الحقيقى له و هو 25 ألف ريال مقابل للدولار الواحد، فيما يصل سعر الدولار لدى المضاربين الايرانيين وفى السوق السوداء إلى 34 ألف ريال فى أحيان كثيرة. وطبقا لتصنيف صندوق النقد الدولى لا تعد إيران واحدة من الدول الغنية، إذ يصل متوسط نصيب المواطن من الناتج المحلي الإجمالي إلى 6400 دولار أمريكى سنويا فى بلد يقدر عدد سكانه ب75 مليونا، وتقدر فاتورتهم الاستيرادية بنحو 50 مليار دولار أمريكى سنويا، تسعى الحكومة لخفضها بنسبة 10\% على الأقل لتقليل الطلب على الدولار الأمريكى، ووقف نزيف خسارة عملتها الوطنية التى فقدت 40\% من قيمتها أمام الدولار الامريكى منذ تغليظ العقوبات. وفى هذا الصدد، تشير الأرقام إلى أن الدولار الأمريكي الذى لامس حد 35 ألف ريال، كان يباع فى مطلع العام الماضى مقابل 10 آلاف ريال.