بقيت ساعات ويهل شهر رمضان الكريم ، نسأل الله أن يجعله شهر يمن وبركة وخير وانتصار للأمة العربية والإسلامية ، ونسأل الله أن يجعله أفضل من الأعوام السابقة ، التي عانت فيها ولا تزال هذه الأمة من الانكسار والاحتلال والتبعية والاستبداد ، لعل الناس تحاول أن تستفيد من هذا الشهر الكريم لنتحرر فيه من الشهوات والمعاصي والخوف والانكسار والشعور بالدونية والهوان ، فلو حدث هذا لكان ثمرة حقيقة لشهر الصوم وشهر الصبر وشهر القرآن . وكثير من الناس في مصر اعتادوا على جعل هذا الشهر مناسبة اجتماعية ففيها يتواصل الناس على حفلات الإفطار المتبادلة في البيوت والأماكن العامة ويجري في هذه اللقاءات حوارات ونقاشات اجتماعية وثقافية ، لا تخلوا أيا منها من مناقشة الهموم من كل نوع والمشاكل التي يعاني منها الأفراد والمجتمع ، وبالطبع في كثير منها صلة أرحام بين الأسرة الواحدة التي باعدت ظروف الحياة في اتصالها وتواصلها وهذه من إيجابيات هذا الشهر الكريم ، كما أنه اعتادت كثير من القوى السياسية والهيئات الثقافية والدينية والاجتماعية على عقد حفلات إفطار رمضانية سواء أيضا في مقراتها أو منازل أعضائها أو أماكن عامة ويكون الإطار العام للاحتفالية سياسيا بشكل عام هذا بالإضافة إلى البعد الاجتماعي التواصلي بين هذه القوى وبعضها البعض فهي حفلات تجميعية ، تجمع الناس من تيارات شتى وقوى متعددة فتعمق فكرة التواصل والتعددية وقبول الآخر ، وهى كذلك مناسبة لإعلان المواقف السياسية من القضايا المختلفة المطروحة على الساحة ، ففي السنوات الأخيرة سيطر على هذا النوع من الإفطارات القضايا التي تشغل بال المواطن المصري والعربي والمسلم ، مثل قضية الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة ( انتفاضة الأقصى ) والعدوان الصهيوني البشع على الشعب الفلسطيني وبسالة هذا الشعب البطل في التصدي للعدوان والاغتيالات وتجريف الأراضي وهدم المنازل والحصار ... الخ وكذلك قضية العراق منذ حصاره ثم العدوان عليه واحتلاله ومحاولة تقسيمه وإثارة النعرة الطائفية فيه ومازال هذا المسلسل مستمرا ، طبعا ناهيك عن أحداث 11 سبتمبر 2001 التي حدثت في الولاياتالمتحدةالأمريكية ورد الفعل على هذه الأحداث وروح الكراهية ضد كل ما هو عربي وما هو مسلم وتكرر ذلك في أحداث مدريد وأحداث لندن التي أدت لانتقال هذه الروح بغزارة للمجتمع الأوربي بالإضافة للمجتمع الأمريكي ، هذا من ناحية قضايا الخارج والعالم العربي ، أما بالنسبة لقضايا الداخل فتارة قضايا الفتنة الطائفية وبعض أحداثها وتداعيات ذلك على العلاقة بين المصريين ( مسلمين ومسيحيين ) وأخيرا قضايا التغيير السياسي والإصلاح التي بدأت تضغط في كل اللقاءات المصرية وخاصة تلك الإفطارات الرمضانية منذ حوالي سنتين ، وحالة الحراك الذي حدث في المجتمع المصري في هذا الشأن ، ويكفي أن نذكر أن أهم حركة تغيير ديمقراطي في الفترة الأخيرة وهي حركة " كفاية " قد ولدت في إحدى هذه الإفطارات الرمضانية منذ عامين مضيا، تلك الحركة التي كسرت حاجز الخوف وكسرت سقف المعارضة سواء في التعبير السياسي أو في الفعل السياسي بالتظاهر في الشوارع وانتزاع هذا الحق الدستوري ، بل الأهم من ذلك هذا الاتفاق الذي يوشك أن يتم نتيجة هذه الجهود وخاصة جهود حركة كفاية بإنشاء جبهة معارضة واحدة وموسعة تجمع كل القوى السياسية والفعاليات والحركات بغير إقصاء ،هدفها السعي المشترك لأحداث التغيير المطلوب والبدء بالانتخابات البرلمانية القادمة كمحك أولى لهذه الجهود ولعلنا نتحدث عن هذه الجبهة في مرة قادمة بأذن الله . ألم أقل أن الشهر الكريم أضيف إلى بركاته المتعددة من العبادة والذكر والدعاء والقيام وقراءة القرآن أنشطة اجتماعية وسياسية جعلته بحق من أهم المناسبات الاجتماعية والسياسية