على الجميع أن يشعروا بالعار مما حدث أمس في ميدان التحرير، وعلى الجميع أن يراجعوا حساباتهم وتقديراتهم للحظة الراهنة التي نعيشها والتي يتهددها مخاطر عديدة داخلية وفلولية وخارجية أيضًا، هذه الاشتباكات التي جرت بين شباب الثورة من تيارات مختلفة فضيحة بكل المقاييس، والجميع أخطأ فيها، كما أن بعضًا ممن سارعوا باتخاذها قناة لمهاجمة الرئيس مرسي أو حتى جماعة الإخوان كشفوا عن أنهم كانوا متورطين في اللعبة، من فرط استعجالهم في استغلالها، وأن ما حدث كان مرتبًا وممنهجًا، وأنهم عملوا على أخطاء الإخوان وسوء تقديرهم للموقف. أثمن شجاعة عصام العريان أمس عندما اعترف بأنهم أخطأوا في الحسابات عندما نزلوا هذه الجمعة في ميدان التحرير، فلم يكن أحد يجهل أن النفوس محتقنة والمشاعر ملتهبة وأن من دعوا للاحتشاد في الميدان كانوا يحتشدون لانتقاد الدكتور محمد مرسي والاحتجاج على إدارته خلال المائة يوم، وأيًا كان اختلافنا أو اتفاقنا مع هؤلاء، إلا أنه كان من حقهم الكامل والمشروع أن يعبروا عن قناعاتهم بشكل سلمي وأن يجهروا بغضبهم ويعلوا أصواتهم ويبعثوا برسالتهم كما يشاؤون، فقد قمنا بالثورة من أجل ذلك لهم ولنا وللجميع، ولا يوجد ولن يوجد حاكم مقدس أو محصن من النقد والغضب والاحتجاج، وبالتالي كان مفهومًا أن نزول الإخوان إلى الميدان في هذا اليوم، وهو قرار جاء متأخرًا وفيه استعجال، كان بهدف إفشال هذه المظاهرة المناهضة للدكتور مرسي، وإظهار أن هناك قاعدة واسعة من الجماهير تؤيد مرسي، وهي مسألة لم تكن تحتاج لاستعراض قوة، فمرسي يحظى فعليًا بدعم شعبي كبير، سواء من الإخوان أو من غيرهم، كما أنه من حق الإخوان أن يتظاهروا ويحتشدوا لاستعراض العضلات السياسية في أي يوم آخر، أو في نفس اليوم ولكن في مكان آخر، تفاديًا للتحرشات واحتقانات النفوس وانفجار العنف، وأخطأ الإخوان، وهم الخبراء في لعبة الشارع، عندما تجاهلوا أن هناك طرفًا ثالثًا بل وأطرافًا رابعة وخامسة، ستلعب في هذه الأجواء لأنها نموذجية بالنسبة لمن أراد أن يشعل الحريق، وقد نجحت مجموعات يسارية صغيرة في إشعال الحريق وضرب الميدان بعضه ببعض وفي النهاية إحراج الإخوان وإظهارهم في صورة المتحرشين بمظاهرات معارضي مرسي وقد اضطر الإخوان في النهاية إلى الانسحاب من الميدان بعد أن استبان لقياداتهم بوضوح كافٍ أن ما حدث كان خطأً وأن نزولهم الميدان كان رعونة وسوء تقدير، أيضًا أخطأ بعض كوادر الإخوان الكبيرة وقيادات بحزب الحرية والعدالة عندما حاولوا إنكار أنهم كانوا في الميدان أساسًا، وذلك هروبًا من الحرج السياسي أمام العالم، لديّ معلومات مؤكدة عن أن بعض التيارات اليسارية المتطرفة الصغيرة، ونشطاء من حزب ليبرالي طائفي، كانوا قد أعدوا العدة للاعتداء على الإخوان ومن في الميدان جميعًا بهدف توريط الكل في الهجوم على الكل، وبعضهم أطلق تحذيرات ليلة الجمعة بأن هناك بحارًا من الدم إن نزل الإخوان للميدان، وبعض من نزلوا للميدان أمس هم من أنصار الفلول والذين جاهروا بالانحياز للفريق أحمد شفيق، وكان المخطط أخطر من ذلك بكثير إلا أن انسحاب الإخوان وفصائل إسلامية أخرى من الميدان فوت الفرصة على اكتمال "الفخ". هذا درس للجميع، لقد فشل مخطط إشعال الحريق وتوريط الرئيس مرسي أمام موقعة جمل جديدة، ولكني أتصور أن الدرس الذي حدث أمس يستدعي من الجماعة أن تعيد حساباتها جيدًا في حراك الشارع، وألا تُستدرج لمواجهات هي الخاسرة فيها سياسيًا بكل تأكيد، وألا تساهم بسوء تقدير في مخطط سحب ميدان المواجهة والصراع السياسي من صندوق الانتخاب إلى الشوارع والميادين, ومن الممارسة الديمقراطية إلى الفوضى والعدمية السياسية. [email protected]