وزير المالية يبحث مع نظيره السعودي تعزيز فرص التعاون الاقتصادي المشترك    بوريل: عدة دول أوروبية ستعترف بالدولة الفلسطينية بنهاية مايو    رقم سلبي يثير مخاوف برشلونة قبل مواجهة فالنسيا في الدوري الإسباني    الاتحاد السكندري يجمد مستحقات لاعبيه بسبب سوء النتائج    إخلاء سبيل المتهمين فى قضية تسرب مادة الكلور بنادى الترسانة    ردود أفعال واسعة بعد فوزه بالبوكر العربية.. باسم خندقجي: حين تكسر الكتابة قيود الأسر    فرقة ثقافة المحمودية تقدم عرض بنت القمر بمسرح النادي الاجتماعي    برلماني: افتتاح السيسي مركز البيانات والحوسبة السحابية انطلاقة في التحول الرقمي    ب600 مليون جنيه، هيرميس تعلن إتمام الإصدار الخامس لطرح سندات قصيرة الأجل    لتطوير المترو.. «الوزير» يبحث إنشاء مصنعين في برج العرب    سيناء السلام عبقرية الدبلوماسية المصرية.. ندوة تثقيفية بجامعة المنوفية    انتصار السيسي وقرينة رئيس البوسنة والهرسك تتفقدان غرفة الهلال الأحمر    مصرع 42 شخصا إثر انهيار سد في كينيا    محلية النواب تواصل مناقشة تعديل قانون الجبانات، وانتقادات لوزارة العدل لهذا السبب    مايا مرسي: برنامج نورة قطع خطوات كبيرة في تغيير حياة الفتيات    تردد قنوات الاطفال 2024.. "توم وجيري وكراميش وطيور الجنة وميكي"    كرة اليد، جدول مباريات منتخب مصر في أولمبياد باريس    رئيس جامعة أسيوط: استراتيجية 2024-2029 تركز على الابتكار وريادة الأعمال    تأجيل نظر قضية محاكمة 35 متهما بقضية حادث انقلاب قطار طوخ بالقليوبية    تحذير قبل قبض المرتب.. عمليات احتيال شائعة في أجهزة الصراف الآلي    قرار جديد من المحكمة في اتهام مضيفة طيران بإنهاء حياة ابنتها    البورصة تربح 73 مليار جنيه بختام تعاملات اليوم    معيط: تبادل الخبرات في السياسات المالية لتعزيز فرص التعاون الاقتصادي    الخميس المقبل، رشيد مشهراوي وحكايات السينما الفلسطينية في معكم منى الشاذلي    الصين تشارك بتسعِة أجنحة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب ال33    هنا الزاهد بصحبة هشام ماجد داخل الجيم.. وتعلق: "فاصل من التمارين العنيفة"    زكاة القمح.. اعرف حكمها ومقدار النصاب فيها    بيت الزكاة والصدقات يطلق 115 شاحنة ضمن القافلة السابعة لحملة أغيثوا غزة    خالد عبد الغفار يناقش مع نظيرته القطرية فرص الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    طريقة عمل الكيك اليابانى، من الشيف نيفين عباس    يسبب ذبحة صدرية وارتشاحا بالمخ، تحذير من تناول الفسيخ في شم النسيم    أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة.. سهلة وبسيطة    تنظيم ندوة عن أحكام قانون العمل ب مطاحن الأصدقاء في أبنوب    صحتك تهمنا .. حملة توعية ب جامعة عين شمس    النشرة الدينية .. أفضل طريقة لعلاج الكسل عن الصلاة .. "خريجي الأزهر" و"مؤسسة أبو العينين" تكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين    وزير المالية: نتطلع لقيام بنك ستاندرد تشارترد بجذب المزيد من الاستثمارات إلى مصر    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    باركود وتعليمات جديدة.. أسيوط تستعد لامتحانات نهاية العام    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    الصين فى طريقها لاستضافة السوبر السعودى    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    مركز تدريب "الطاقة الذرية" يتسلم شهادة الأيزو ISO 2100: 2018    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    فانتازي يلا كورة.. دي بروين على رأس 5 لاعبين ارتفعت أسعارهم    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    تراجع أسعار الذهب عالميا وسط تبدد أمال خفض الفائدة    حالة وفاة و16 مصاباً. أسماء ضحايا حادث تصادم سيارتين بصحراوي المنيا    أول رد رسمي من الزمالك على احتفال مصطفى شلبي المثير للجدل (فيديو)    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجوانبُ الإيجابيةُ في صفقةِ القرنِ الأمريكيةِ
نشر في المصريون يوم 02 - 02 - 2020

ليس أسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية من صفقة القرن سوى احتلال فلسطين وضياعها، والتآمر عليها ونكبتها، وطرد أهلها وتشتيت سكانها، فإن كانت فلسطين الأرض والوطن والتاريخ والمقدسات قد بدأ احتلالها صهيونياً قبل العام 1948، وتواصل بعد ذلك إلى أيامنا هذه، فإن صفقة القرن تشطب القضية الفلسطينية كلياً، وتنهي ملفاتها وتنفي الصفة عن أبنائها، وتشتت أهلها تحت جنسياتٍ عدةٍ وفي كنف بلادٍ عديدةٍ، وتشرع للمستوطنين الغزاة اليهود الذين وفدوا إلى بلادنا الأرض التي اغتصبوها والديار التي سكنوها، وتسوي مشاكلهم مع دول الجوار ليأمنوا الخطر ويعيشوا في سلامٍ، وتنعش اقتصادهم وتنمي أموالهم، وتخلق لهم أسواقاً عربية مكشوفة، تدخل إليها بضائعها علناً وبصورةٍ مباشرة، ولا تضطر إلى التزوير والخداع لتصل إليها، لتخلق مع المواطنين العرب أجواءً طبيعية من السلم والتعايش والقبول والتعاون، فضلاً عن الاعتراف بوجودها ورفع علمها وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها.
إلا أن لهذه الصفقة اللعينة جوانب إيجابية أخرى ساعدت في كشفها، أو عملت على إظهارها وإبرازها بعد أن كاد الزمن يطويها والأحداث تتجاوزها وتنسينا إياها أو تحرمنا وتجردنا منها، خاصةً في ظل الوقائع الجديدة والمستجدات الراهنة، التي خلقتها الإدارة الأمريكية الجديدة، والواقع العربي الرسمي المزري الضعيف المنهار، والمتآمر الشريك، والتابع الخاضع، الذي أورثنا بتخاذله وسقوطه اليأس وسلمنا إلى القنوط، وجعلنا وحدنا في مواجهة دولة الاحتلال والإدارة الأمريكية، التي تخطط له وتسانده، وتساعده وترفده، وتعززه وتنصره.
صفقة القرن أظهرت وحدة الشعب الفلسطيني واتفاقه، سلطةً ومعارضةً، منظمةً ومقاومة، شعباً وأحزاباً، قوىً وتجمعاتٍ، نقاباتٍ واتحاداتٍ، وطناً وشتاتاً، مدناً ومخيماتٍ، في فلسطين المحتلة وخارجها، فأعلن الفلسطينيون بكل ألوانهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية، برأيٍ واحدٍ وصوتٍ عالٍ وموقفٍ صريحٍ، رفضهم لصفقة القرن وعدم قبولهم أو اعترافهم بها، وأنهم ضد من يقبل بها أو يتجاوب معها، وشكلوا بموقفهم الموحد سابقةً فلسطينيةً عز نظيرها واشتهى الشعب كثيراً مثلها، وتمنى لو أنها كانت قديماً وتكررت في كل المراحل والأزمات، إذ أن الوحدة سبيل النصر وبوابة النجاح، وهي السد المانع لكل المؤامرات والتحديات.
وحدت الصفقة المهينة الأرض الفلسطينية كلها وعادت بنا إلى سني الصراع الأولى، صراع الوجود والبقاء أو الضياع والفناء، وهو ما شعر بخطورته الإسرائيليون أنفسهم، إذ قال مفكروهم أن الصفقة أحيت مفاهيم الصراع الأولى، وأعادت الفلسطينيين إلى مفردات المقاومة وأدوات العمل المسلح، فتجريد الفلسطينيين من حقوقهم وحرمانهم من أحلامهم، سيدفعهم بالتأكيد إلى الأصول الأولى لقضيتهم، فهي التي توحدهم وتجمعهم، وفي هذا خطرٌ كبير على مستقبل إسرائيل وأمنها، إذ سيسقط الاعتراف بها وينتهي التعاون معها، وستبدأ مرحلة جديدة قوامها العنف وروادها الراديكاليون الفلسطينيون، الذين يملكون ما يقولون وعندهم ما يقدمون، ومعهم دولٌ قويةٌ تساندهم وتؤيدهم، وتشجعهم وتساعدهم، تشكل خطورةً على مستقبل إسرائيل، وتسعى مع المقاومة الفلسطينية لشطبها وإزالتها من الوجود.
صفقة القرن كشفت عن زيف مساعي السلام وكذب الرغبات الإسرائيلية، وأسقطت اتفاقية أوسلو وتجاوزتها، وتنكرت لها وتخلت عنها، فلم تعد دولة الكيان الصهيوني تعترف بها أو تقبل بوجودها، ولم تعد مجبرةً على الالتزام بمهلها والتقيد بمراحلها، رغم أنها أخلت قديماً ببنودها ولم تلتزم بها، وقد مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة دون أن تحقق للفلسطينيين الموقعين عليها شيئاً مما أملوا فيه أو سعوا إليه، فاستغنى الإسرائيليون عنها وتنكبوا بصفقة القرن لها، فهي بالنسبة إليهم أفضل بكثيرٍ من اتفاقية أوسلو، وتعطيهم أكثر مما كانوا يحلمون، وأفضل مما كانوا يأملون وأعظم بكثيرٍ مما يطمحون.
صفقة القرن إلى جانب الموقف الفلسطيني الموحد ستحرج الأنظمة العربية المتساوقة مع الكيان، والمشتركة معه ومع الإدارة الأمريكية في صياغة الصفقة، وهي التي أبدت تعهدها بتطبيق ما يطلب منها أو تكلف به، ولكنها ستجد نفسها مع الأيام مجردة من صفة التمثيل أو النيابة، فهي لا تملك ما تعطي، ولا تستطيع أن تفي بما لا تستطيع، فضلاً عن أن شعوبها لا توافق على ما تعلن، ولا تقبل بما تقدم، فالفلسطينيون يرفضون أن ينوب عنهم أحد في تقرير مصيرهم والحديث باسمهم، وهم قد قالوا كلمتهم مدويةً صاخبة صريحةً مباشرةً، لا لصفقة القرن، ولا لكل من يقبل بها أو ينفذ بنودها.
صفقة القرن أثبتت عدم نزاهة الوسيط الأمريكي، وأنه غير موضوعي ولا حيادي، بل هو طرف معادي وشريكٌ محتلٌ، يفكر نيابةً عن الاحتلال ويخطط له، ويشجعه على سياساته ويناصره في عدوانه، فلم يعد يصلح لرعاية ما يسمى بمفاوضات السلام وضمان تطبيق الاتفاقيات، ولعل الجريمة التي اقترفها بعد جرائمه السابقة التي ارتكبها في مسائل القدس واللاجئين والمستوطنات، تقنع المراهنين على صدقية المواقف الأمريكية وجدية واسطتهم، أنهم مخطئون في تقديراتهم، وغير عاقلين في توقعاتهم، فسراب الإدارات الأمريكية سيبقى سراباً، ولن تكون مواقفها مهما طال الزمن وتغيرت الإدارات ماءً زلالاً ولا عذباً فراتاً.
في الوقت الذي لا أستخف فيه بصفقة القرن ولا أقلل من خطورتها، ، فإنني لا أدعي بساطتها وعدم جديتها، لكنني لا أقلل أبداً من تداعياتها الإيجابية على الفلسطينيين وشعوب الأمة العربية والإسلامية، بل أرى أننا نستطيع أن نحول المحنة إلى منحة، والأزمة إلى فرصة، والسقطة إلى رفعة، وأن نقلب المشروع الإسرائيلي ونعطل مخططاتهم، لكن علينا حتى ننجح في ذلك أن نبدأ بالخطوة الأولى والأساس، ألا وهي تحقيق الوحدة الفلسطينية، والانتهاء من الانقسام ومغادرة مربعات الصراعات الحزبية، حينها قد تكون منية الإسرائيليين في أمنيتهم، وخاتمتهم في معسول أحلامهم، وتكون رفعتنا في صدمتنا ونهضتنا في كبوتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.