تحديث البنية التحتية للملاعب.. عودة الجماهير.. «البث الرقمى».. انتهاء «الاحتكار».. المنتخبات العربية «إيد واحدة».. مكاسب أمنية وسياحية ورسالة إيجابية إلى العالم نجحت مصر بشهادة الجميع في تنظيم افتتاح بطولة الأمم الأفريقية فى نسختها ال32، التى استضافتها خلال الفترة من 21 يونيو حتى 19 يوليو الجارى، على الرغم من أن البطولة أسندت إليها قبل شهور فقط، بسبب تعذر إقامتها في الكاميرون لعدم الانتهاء من التجهيزات اللازمة. مع ذلك، استطاعت مصر أن تبرهن على نجاحها، وأن تقدم مستوى تنظيميًا رائعًا كان محل وثناء الحاضرين، وكبار الشخصيات الرياضية في العالم، ولم تشهد البطولة ما يعكر صفوها من الناحية التنظيمية، وهو الأمر الذي مثل لمصر نجاحًا عوض إخفاق المنتخب الوطني الذي خرج مبكرًا من البطولة، والتي كان مرشحًا لها بقوة. فعلى غير المتوقع، خرجت مصر مبكرًا من دور ال16، بعد خسارتها أمام جنوب أفريقيا وسط حضور ما يقرب من 80 ألف متفرج صفر – 1، وهو الأمر الذي أصاب ملايين المصريين بحالة من الصدمة، لكونهم كانوا يعولون على أداء ونتائج أفضل من ذلك بكثير، وهو ربما نقطة الضعف، بعد أن فقدت البطولة الحضور الجماهيري الكبير. الخسارة تسببت في هزات عنيفة داخل الاتحاد المصرى لكرة القدم، دفعت هانى أبوريدة رئيس الاتحاد إلى إعلان استقالته، مع إقالة الجهاز الفنى بالكامل ل"الفراعنة" بقيادة المكسيكى خافيير أجيرى، في محاولة لتهدئه حالة الغضب التي اجتاحت الشارع المصرى من الخروج المبكر من "كان 2019". لكن يمكن القول إن هذا الإخفاق عوضه حسن الأداء التنظيمي، وظهور قيادات لديها من الكفاءة ما يؤهلها للتعامل مع الفعاليات والمناسبات الرياضية الكبرة. فقد أثبت محمد فضل، مدير البطولة، جدارته فى المنصب، حتى بات أحد أهم المرشحين لخوض انتخابات اتحاد الكرة المقبلة في ظل الحاجة الماسة لفكر جديد وطاقة هائلة تستطيع إنقاذ الكرة المصرية من كبوتها، وهو أهم ما يميزه. ونال "فضل"، إشادة الجميع بما فيهم مَن كان يوجه له النقد، بعد المجهود الجبار الذى بذله كى تخرج البطولة بشكل مبهر للعالم أجمع، وتكاد تكون هى الأفضل فى تاريخ "الكان". نجح "فضل" فى خروج حفل الافتتاح بشكل مميز للغاية، بخلاف السلاسة وحسن تنظيم وصول المنتخبات وغيرها، فى ظل ضيق الوقت، خاصة أن مهمة التنظيم أسندت له قبل البطولة بنحو 4أشهر فقط. ويأتى تطوير المنشآت الرياضية والبنية التحتية للملاعب كأهم ثمار كأس الأمم؛ ليعالج الأزمة التى ظهرت فى الموسم الحالى بالدورى المصرى بشأن الملاعب وجودة أرضياتها، وهو الأمر الذي يتيح لاتحاد الكرة العديد من الخيارات في توزيع مباريات الدورى على العديد من الملاعب التي تم تطويرها على مستو عال. ونجحت اللجنة المنظمة فى تطوير وإعادة تأهيل الملاعب "المجمدة"، وفى مقدمتها استاد القاهرة، بعدما ظهر فى أبهى صوره، والذى احتضن مباريات المنتخب وحفلى الافتتاح والختام، على الرغم من كونه ظل خارج الخدمة ولم تلعب عليه أى مباريات خلال فترة طويلة. وفوجئت الجماهير بالمظهر الرائع الذي ظهر عليه، حتى بات منافسًا لأكبر الملاعب العالمية. فضلاً عن ذلك، استطاعت شركة "تذكرتى" وليدة البطولة، القضاء على "السوق السوداء"، ووصول التذاكر لمستحقيها، من خلال اعتماد طريقة حجز تذاكر المباريات عبر الإنترنت، باستخدام بطاقة المشجع الجديدة "FAN ID "، وتنظيم الدخول إلى الملاعب. نجاح التجربة قد يكون مشجعًا على استمرار تطبيقها عقب انتهاء كان 2019 خلال مباريات الدورى المتبقية هذا الموسم، مع استمرارها أيضا خلال الموسم المقبل، بعدما شجع نظام التذاكر الإلكترونية الجديد الجميع على عودة الجماهير إلى الملاعب. أما على مستوى التغطية التليفزيونية، فقد استُحدث جهاز البث الرقمى للقنوات الأرضية لنقل أحداث البطولة عبر شاشات التليفزيون، لتكون بداية مميزة لإنهاء جزء من احتكار المباريات للأندية والمنتخبات المصرية التى تقام داخل مصر. وعلى غير المعتاد طوال السنوات الماضية، من اشتداد الصراع بين المنتخبات العربية، إلا أن الجماهير المصرية كسرت تلك القاعدة خلال النسخة الحالية من البطولة عقب خروجها المنتخب القومى مبكرًا، وساندت تونس والجزائر وشدت من أزرهما طوال مشوارهما بالبطولة، وكان لذلك مردود طيب على الأشقاء العرب، وكأنهم بالفعل يلعبون فى بلدهم الثاني. مكاسب مصر من تنظيم البطولة لم تكن مقتصرة على الرياضة فقط، بل امتدت أيضًا لمكاسب اقتصادية وسياسية وسياحية. فقد استطاعت مصر تسليط الضوء وإرسال رسالة إلى العالم على أنها دولة أمن واستقرار، وأنها قادرة على تأمين وتنظيم الأحداث والفعاليات الكبرى، وهو ما يدعم القطاع السياحى ويروج للاستثمار. فقد استطاعت البطولة أن تجذب آلاف الجماهير التي حضرت لمؤازرة المنتخبات المشاركة، وهو ما أدى لزيادة إشغال الفنادق فى المدن التى شهدت تنظيم البطولة، وبالتالى ارتفع سعر الإقامة مع زيادة الطلب، إلى جانب إنقاذ موسم غير رائج سياحيًا فى فترة بدايات الصيف. ولم تقتصر مكاسب تنظيم البطولة على القطاعات الكبيرة فقط، بل طالت أيضًا المحلات الصغيرة والأكشاك، وأسهمت فى توفير فرص عمل وتشجيع الكثيرين على افتتاح مطاعم ومقاهٍ بالقرب من الملاعب التى تقام عليها المباريات. الخبير الاقتصادى أبوبكر الديب توقع حدوث انتعاشة كبيرة بالاقتصاد المصرى عقب انتهاء بطولة "كان 2019"، وتحقيق مصر فوائد عظيمة من تنظيم هذا الحدث الكبير. وأضاف ل"المصريون": "البطولة نجحت فى إدخال عملات أجنبية كثيرة لمصر، وزيادة الطلب على الجنيه، ما يرفع عوائد موارد النقد الأجنبى سواء كانت دولارية أو باليورو، وبالتالى زيادة الاحتياطى النقدى ورفع قيمة الجنيه". وعدّد الديب مزايا وفوائد تنظيم البطولة، قائلًا: "الفنادق امتلأت عن آخرها، ونشطت حركة شركات السياحة والنقل وشركات الأمن الخاصة، وتحقيق مكاسب مالية من الدعم الموجه من الاتحاد الإفريقى لكرة القدم، وعائدات الإعلانات والبث التليفزيوني"". متفقًا معه في الرأي، قال الخبير الاقتصادي، خالد الشافعى، إن مصر حققت مصر العديد من المكاسب الاقتصادية من خلال تنظيم البطولة على أرضها. وأوضح، أن أول هذه المكاسب هى زيادة الطلب على الجنيه من قِبل الفرق والمنتخبات والمشجعين المشاركين بالبطولة، والحصول على نسبة 20% من الإيرادات العامة لحقوق البث التليفزيونى، والإعلانات الموجودة فى الملعب وبيع التذاكر الخاصة بكل مباراة، بما يعنى أن البلد المضيف يعد شريكًا بنسبة 20% من عوائد الاتحاد الإفريقى لتنظيم البطولة. الدكتور محمد فضل الله، مستشار هيئة الرياضة الإماراتية، قال إن "تطوير استاد القاهرة وتحوله بصورة رائعة فى ظل 5 أشهر من حيث الكثافة الجماهيرية والتنظيم المحترم يعد مكسبًا من المكاسب المهمة جدًّا لمصر". وأضاف، أن رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم جيانى إنفانتينو تحدَّث بشكل جيد عن مصر وقدرتها على تنظيم الأحداث الرياضية المستقبلية، ما يعتبر من المكاسب المهمة. وأكد أنه حتى إن لم تكن هناك مكاسب اقتصادية فإن المكسب السياسى بتحقيق هذه الهيمنة الرياضية على مستوى قارة إفريقيا يعد شيئًا رائعًا للغاية. وكان السويسري جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أشاد بتنظيم مصر لبطولة كأس الأمم الإفريقية. وفي كلمته بالجمعية العمومية للاتحاد الإفريقي للعبة (الكاف) بالقاهرة، أكد انفانتينو "لابد من تقديم التهاني لمصر على هذا التنظيم الممتع لكأس الأمم الإفريقية حيث قدمت بطولة ممتازة". وأضاف "مصر أبهرت العالم بعد أن قدمت بنية تحتية رائعة وملاعب أكثر من ممتازة".