انتصر التيار الإسلامى فى مصر وفى العالم العربى بدعامتين أساسيتين، الأولى الأخلاق التى منحته الهيبة لدى الآخرين ومنحته القبول لدى غالبية الرأى العام ومنحته المصداقية، والثانية عندما خاض معترك السياسة باعتباره جزءًا من الحركة الوطنية وليس بديلاً عنها أو منفصلاً عنها، وأظن أن ما حدث فى ثورة يناير كان واضح الدلالة على ذلك، فقد بذل التيار الإسلامى جهدًا كبيرًا وهائلاً وقدم تضحيات غالية على مدار عشرات السنين مع النظم السياسية القمعية المختلفة محاولاً تغييرها أو إصلاحها أو الثورة عليها ففشل، وتم التنكيل به وسحق أجيال من أنبل ما أخرجته مصر من البشر، لأنه كان يعمل وحده ويغرد خارج السرب الوطنى ويتجاهل الباقين أو يحاول التعامل معهم كمعبر مؤقت، فلما تلاحم التيار الإسلامى مع الطيف الوطنى كله وتشابكت الأيادى انتصر وانتصر الآخرون وانتصرت مصر كلها على الديكتاتورية والفساد والقمع والاستباحة، ومن ثم يكون هذا الدرس التاريخى الذى لا ينبغى أن تخطئه ذاكرة الإسلاميين ولا أن يغيب عن رؤاهم فى أى مشروع مستقبلى لبناء نهضة مصر وتطورها وتعزيز قواعد العدالة والحريات العامة والشفافية فيها، ووفق هذه الرؤية وذلك الإطار ينبغى أن تتحرك الجهود الإسلامية وخاصة أصحاب الرأى والقلم، لا ينبغى أن نقلل من خطورة وأهمية الجانب الأخلاقى فى رسالة الحركة الإسلامية، لا يصح أن نبيح لأنفسنا ما كنا نحرمه على الآخرين من قبل لأنه أصبح فى صالحنا اليوم عمله، ولا ينبغى أن نهون من وعودنا أو تعهداتنا للآخرين بدعوى المصلحة أو المستجدات وهى لا تنتهى، لا ينبغى أن نستسهل الهروب من التزاماتنا المحددة متعللين بالظروف والضغوط والمعوقات، ولا ينبغى أن نسترخص أدوات الهروب من الحق والحقيقة والروغان من المسؤولية بالعبارات الفضفاضة التى كان يحسن استخدامها النظام الغابر الذى ثرنا عليه، لا يصح أن نهون من الأخطاء بدعوى أن أى عمل سياسى فيه أخطاء، لا يصح أن نتسامح فى وقائع فساد مهما صغرت بدعوى أن الفساد فى كل مكان وفى أعرق الديمقراطيات، لا ينبغى المعاندة فى العودة إلى الحق وترك الخطأ بدعوى أن ذلك يضر بالمصلحة ويضعف الثقة بالصف، لا يصح أن نعود بقواعدنا الأخلاقية إلى نسختها الجاهلية، كما يحدث مع القاعدة الشهيرة "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، والتى صححها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم عندما سئل: ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالمًا، قال: ترده عن ظلمه فذلك نصر له، وأرجو أن نتوقف كثيرًا بالتأمل عند عبارة "فذلك نصر له"، رغم ما يكون فى ذلك من خشونة معه أو صرامة فى الرد عليه أو شدة فى تصحيح خطئه أو إحراج له أو إغضاب لمشاعره بإكراهه على العودة عن ظلمه، رغم ذلك كله إلا أن النبى اعتبر ذلك "نصرًا له"، لأن المقياس فى جوهره "الأخلاق" وإن بدا أن "الشخص" هزم إلا أن القيم التى يحملها انتصرت والرسالة التى من أجلها يعمل انتصرت وهى أهم من الشخص ومن الجماعة أيضاً، ولو أن الشباب الإسلامى استوعب ذلك لخفت إلى حد كبير مشاعر التوتر والتعصب عند أى خلاف وضيق الصدور من أى نقد، كذلك لا يحسن أن يخسر التيار الإسلامى المكسب المهم الذى ربحه وربحه الوطن كله بالتواصل السياسى مع كل أطياف الوطن السياسية والفكرية التى تناضل من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وإن اختلفنا معها، سواء كنا فى السلطة أو كنا فى المعارضة، كنا فى المؤسسات أو فى الشارع، فالتواصل فيه خير الوطن كله، ستبقى الخلافات وسيبقى التباعد فى رؤى الإصلاح وستبقى المعارك السياسية، ولكن ينبغى أن يبقى معها ذلك الإحساس بالمسؤولية والإحساس بأننا شركاء فى مركب الوطن، وأن النجاة بهذا المركب هى مسؤولية الجميع وتضامن الجميع وتفاهم الجميع وبحث الجميع عن القواسم المشتركة واحترام الحدود الدنيا للإنقاذ والنجاة. [email protected]