" نشرت جريدة " نهضة مصر " مؤخرا ً خبرا ً مؤسفا ً ً هذا نصه : " فى الوقت الذى يتشدق فيه الكثيرون بشعارات رفع المستوى المعيشى للمواطن المصرى ، وتحقيق معدلات غير مسبوقة فى النمو الاقتصادى لمصر ، أصاب تقرير التنمية البشرية لعام 2005 أصحاب تلك الشعارات بصدمة ، حيث وضع مصر فى المرتبة رقم 119 من بين 177 دولة ، شملها التقرير ، وسبقنا فى الترتيب 13 دولة عربية " ! . انتهى الخبر الذى لا يجب أن يمر مرور الكرام ، وينبغى أن نتوقف جميعا ً أمامه لكى نتآمل دلالته بعمق ، فهناك أشياء عديدة يمكن ل " نظام الفهلوة " المصرى التقليدى ، والذى – يجيده بالتأكيد حكامنا أكثر من أى فرد آخر – أن يغطى عليها ، وأن " يفبرك " مضامينها ، وأن يوهمنا حتى بعكس ما تقوله ، وفى زفة " عصور الازدهار والاستقرار " التى ننام ونصحو على وقعها ، يمكن أن يصبح التأخر تقدما ً ، والتفسخ مرونة ً ، والنهب المنظم للثروة الوطنية تشجيعا ً للاستثمار ، وارتفاع معدلات البطالة ضريبة ً للنمو ! ، وإنهيار مستوى المعيشة تعبيرا ً عن ارتفاع معدلات الحياة ( ! ) . . ألخ ألخ . غير أن كل هذا شىء والوقوف أمام الأرقام باهتمام وتركيز شئ آخر ، فهى حقيقة مجردة يجب وضعها فى الاعتبار ، فالرقم المذكور يقول بقطع ، ودون مواربة ، أن وضع مصر فى العالم يزداد انحطاطا ً ، وأن موقعها الاعتبارى بين الأمم يتقهقر دائما ً، حتى لم يعد يتلونا فى هذه المواقع إلا ّ دول أفريقيا جنوب الصحراء وبعض البلاد التى لا ترى على الخريطة إلاّ بجهد جهيد ! . * * * * * نلاحظ بداية " أن موقع مصر مستمر فى الانحدار سنة " بعد سنة ، فقد كان فى الترتيب 117 حين صيغ تقرير التنمية البشرية السابق ، وكانت تتقدمنا فيه 11 دولة عربية ، واليوم تقهقرنا إلى الموضع 119 وتتقدمنا 13 دولة عربية ، ولو استمر الأمر على هذا المنوال ، فهذا معناه أننا سنستمر فى التراجع حتى مواقع أدنى وأشد وبالا ً ، وهو أمر خطير ، يبعث على الأسى ، ويدعو للحركة فى مواجهة الأسباب التى سببته ، وتؤدى إلى تفاقم نتائجه ، وفى مقدمتها طبيعة النظام السياسى الاقتصادى المهيمن ، الفاسد والعاجز عن الإنجاز أو الحركة ، والذى يتجسد فشله يوما ً بعد يوم ، بل ساعة بعد ساعة ، على مرأى ومسمع من الدنيا بأسرها ! . * * * * * نعم فالمسؤول المباشر عن هذا الوضع المخزى – دون لف أو دوران – هو سياسات النظام الحاكم ، أو – بالأحرى – لا سياساته ! ، فالعبث بمقدرات البلاد ، والتجريف المستمر لإمكاناتها ، وتعبئة طاقات الوطن ، لا من أجل تحقيق مشروع قومى يخدم المواطنين جميعهم ، ولكن لخدمة المحظوظين من طبقة " رجال الأعمال " ، التى أصبحت مرادفا ً فى الكثير من مواصفاتها لجماعات " المافيا " ، التى استحلت ثروات مصر لصالح حفنة من أبناء السادة ، أو " الأكابر " الذين ينهبونها بانتظام ، ولا يتورعون عن معاقبة من يتجرأ على الإشارة بإصبعه إلى جرائمهم أشد العقاب . * * * * * وليس هذا فحسب ، بل أن هذه السياسات المخططة عن قصد وتعمد ، تستهدف ، من ضمن استهدافاتها الرئيسية ، تكريس تبعية الاقتصاد المصرى ، والدولة برمتها للغرب الاستعمارى بقيادة الولاياتالمتحدة ووكيلها المحلى : الدولة الصهيونية المغتصبة ، الذى لم يتخل يوما ً عن سعيه لإلحاق بلادنا بخدمته وخدمة مصالحه ، ولقد وجد هذا الغرب فى الأنظمة الضعيفة والمتهافتة التى اغتصبت السلطة فى غفلة من الزمن ، ( والمهيأة لبيع كل شىء مقابل ضمان بقائها على كراسى الحكم ! ) ، وجد فيها ضالته المنشودة ، فتعاونا على انتهاب ثروة الأمة ، وتمزيق استقرارها ، ودفعها دفعاً إلى تخوم الكارثة . * * * * * بعد ربع قرن من حكم الرئيس مبارك وحاشيته وأسرته ، تشير النتائج الكارثية لأوضاعنا إلى فشل ذريع للنظام الحاكم على كل المستويات ، فالخيبات تتوالى : من الرياضة إلى التعليم ، ومن الصحة إلى التصنيع ، ومن الزراعة إلى الخدمات ، فقط مجال واحد يجب أن نعترف بأن النظام تفوق على نفسه فيه ، هو مجال " الأمن " بمعناه المباشر والمبتذل والسطحى ، أى أمن الفئة الحاكمة ، وحدها فقط لا غير ، وفى سبيل حماية هذا النوع من الأمن تضيع الأوطان ، وتتحول البلاد إلى سجون ومعتقلات ، وتنشق الأمم إلى قسمين رئيسيين : " مخبرين " و" مطلوبين "! ، وترتع عناصر الفساد ، ويعم الخراب ، وتنعق الغربان فى الأصقاع ! . * * * * * هذه بلاد ليست لنا ، إنها لأبناء السادة من اللصوص ، الذين أجاعوا شعبها ليتخموا هم ، وأفقروا ملايينها ليكنز أفراد نخبتها الحاكمة الذهب والفضة . . وقديما ً قال الإمام على ( رضى الله عنه وأرضاه ) : " ما أغتنى غنى إلا من جوع فقيرً . . وفى قوله الصدق كله . * * * * * 119 من 177 . . . يا للمأساة ! . . . هل هانت علينا " مصر المحروسة " كل هذا الهوان ! [email protected]