كما كان الأمر مع موضوع التوريث في عهد مبارك، يتجدد الحديث عن تعديل الدستور بين فترة وأخرى. في الفترة الأولى للرئيس السيسي سمعناه عدة مرات ثم سكت الكلام عندما أعلن الرئيس بنفسه أنه لا تعديل بخصوص مادة الرئاسة، وهي مربط الفرس. ورغم أنه لم تمض سوى شهور قليلة على بدء فترته الثانية، فقد بدأ الحديث يتردد في الأروقة المحلية على استحياء، وفي أروقة الإعلام الخارجي، وقد أخذ هذه المرة يتناول كيفية خروج التعديل وزمنه الذي قيل إنه سيكون خلال الشهور الأولى من عام 1919 أو قبل انتهاء الفترة الرئاسية الأخيرة بقليل. وما يردده أصحاب هذه الأخبار المرسلة التي تستند على مصادر مجهلة، أن التعديل لن يقتصر على فتح باب الترشح دون تقييده بمدتين، بل مد الفترة الواحدة سنتين إضافيتين، وإلغاء صلاحية حجب البرلمان الثقة عن الحكومة، ومنح صلاحيات جديدة لرئيس الجمهورية. وكالعادة لم يخرج تعليق رسمي من القاهرة يدحض تلك التسريبات، وهو أمر كان يتكرر مع موضوع التوريث، وهذا في رأيي من الأخطاء المزمنة في السياسة المصرية منذ عقود طويلة. الصمت وعدم إعطاء أي اهتمام لما يثار هنا أو هناك بشأن مواضيع داخلية، أو "التطنيش" بلغة العامة. إذا كان الصمت مبررا في عقود كانت الموضوعات خلالها لا تخرج عن جلسات القهاوي والأرصفة، فإنه لا يصلح مع عالم مفتوح لا تخفى فيه خافية. ما يتردد في الغرب يسمعه الشرق في جزء من الثانية، وتتحكم فيها إمبراطورية وسائل التواصل الاجتماعي، التي مهما هوجمت ولعنت، لن يتمكن أحد من إخضاعها وإسقاطها. تعديل الدستور ليس عيبا وليس بدعة، فلماذا إذا كانت هناك نية حقيقية لا يفتح بشأنه باب النقاش العلني دون إغلاقه على أي رأي، معارض أو مؤيد. غلطة تعديل الترشح للرئاسة من مدتين إلى مدد في عهد الرئيس أنور السادات، وهو ما عرف وقتها بتعديل الهوانم، أنه حدث داخل أورقة مجلس الشعب دون نقاش علني إعلامي وشعبي، أي أنه كان بعيدا عن الرأي العام. حتى الآن لا يستطيع أحد الجزم بأن الرئيس مبارك كان جادا في توريث الحكم لنجله، ولكن الصمت جعل المسألة تبدو حقيقية، ولم تبددها خطبه المتتالية في الأيام الأولى لثورة يناير وتعهده بعدم ترشحه مرة أخرى للحكم أو ترشح نجله. لذلك على القاهرة الرسمية أن ترد من الآن وبشفافية مطلقة على الذين يسترسلون في مسألة التعديل الدستوري الذي يكبر تناوله ككرة الثلج. [email protected]