سيدى الرئيس، اختارك الشعب المصرى ليسدل الستار عن حقبة سوداء فى تاريخ مصر، غاب فيها الإحساس بالكرامة والعزة، وبلغ فيها الفساد والفجور مبلغاً، بعد أن اكتظت الساحة بمماليك العصر وبرامكة الزمان الذين أحالوا البلاد والعباد إلى أرقام للمقامرة، وقُدمت مصالح ومقدرات الشعب قرباناً يبذله الطامحون فى اختطاف الوطن واغتيال أحلام أبنائه، فكانت الثورة على الفساد والفاسدين.. ومن أجل التغيير دفع الشعب الثمن باهظاً من دماء شبابه فى ميادين الثورة فى طول البلاد وعرضها، ولم يكن الهدف إسقاط رأس النظام واستبقاء باقى جسده يرتع وينعم بثمرات فساد أكثر من نصف قرن من حكم الفرد، لكن الهدف كان تجريف تربة الفساد وتطهير الأرض من دنس الفاسدين الذين تربوا على عين النظام القمعى التسلطى وانتفخت كروشهم وامتلأت حساباتهم فى بنوك الغرب بالمال الحرام الذى جمعوه سحتاً وتربحوه نهباً. لكن أحلام الشعب تذهب سدى بعد مرور أكثر من سنة ونصف من خلع رأس النظام، فلم تتغير الأمور تحت قيادة المجلس العسكرى الذى يدير البلد بالوكالة عن مبارك، حيث تأزمت المعيشة وانتشرت الجريمة تحت سمع وبصر رجال الأمن المتقاعسين، ولم يُقتص للشهداء، ولا أمل أن تعود الأموال المنهوبة التى تنعش خزائن الغرب، ولا تسير محاكمات الفاسدين مسارًا طبيعيًا، وتم حل المجلس النيابى المنتخب بلعبة عسكرية قضائية مشتركة عندما أراد الانتصار لقضايا الشعب.. وقبيل إعلان فوز الرئيس المنتخب أصدر المجلس العسكرى ما أسماه بالإعلان المكمل ليشرعن به وجوده حاكمًا للبلاد بالغصب والإكراه، واستمرأ ممارسة السياسة التى لا يملك أدواتها، وترك واجبه الأسمى كمدافع عن حياض الوطن حتى طالت يد الغدر الصهيونية عمق أرضنا وولغوا فى دماء أبناء جيشنا أكثر من مرة مستغلين حالة الاسترخاء والطموح السياسى لأعضاء المجلس العسكرى فى الانفراد بالسلطة التى قطعوا على أنفسهم العهد أكثر من مرة بعدم رغبتهم فيها وزهدهم فى بريقها.. ثم جاء نقل السلطة من المجلس إلى الرئيس المنتخب نقلاً صوريًا مجردًا من اختصاصاته المعتادة التى كانت تغص بها دساتير مصر المتعاقبة، واقتصر دور الرئيس على التشريفات وأداء المراسم فى تخريج الدفعات من الكليات العسكرية، حيث يلقى الكلمات الرنانة المملوءة بالوعود الجوفاء التى لا يملك تنفيذها، حتى اجترأ عليه الصغار من فوق منصات الخيانة ومنابر الإعلام الساقط سبًا وتجريحًا دون أن يحرك ساكنًا لفرض هيبة منصبه وكرامة من اختاروه رئيسًا متذرعًا بالحلم مع من سبوه! ثم يتم استنزاف جهده واستهلاكه فى مشكلات حياتية من اختصاص السلطات التنفيذية فى المحافظات، والهدف أن تسقط هيبته ويتحول إلى ظاهرة حنجورية لا يُلقى لكلماته بالاً، ولا يُقام لها عند الشعب وزنًا، فيسيطر اليأس ويزداد السخط ليكون مصيره الخلع ويسقط رهان التغيير لتعود قوافل الفلول سيرتها الأولى. سيدى الرئيس، هناك معطيات واضحة الدلالة بعد أن تهدد أمن الوطن داخليًا وخارجيًا لا يصح أبدًا إغفالها أو الالتفاف عليها ولا تقبل الحلول الوسط، وهى أن حكم الشعب برئيس منتخب ومجلس عسكرى عينه مبارك لا يجتمعان.. وعليك سيدى الرئيس أن تقرر مصيرك إما أن تبقى رئيس مراسم وتشريفات مصيره بيد غيره، أو رئيسًَا ثوريًا منتخبًا من شعب لم يعد لديه ما يخسره وعرف طريقه إلى خلع الطغاة، وأن تأخذ الأمور بالعزيمة الثورية فتعز نفسك ويعتز بك أبناء وطنك بقرارات تضع كل سلطة فى مسارها الصحيح فالجيش فى الثكنات وعلى الثغور، والأمن يسهر لفرض النظام والقانون وبث السكينة، والقضاة لمحراب العدالة والإعلام لميثاق الشرف المهنى، وأن تسود قاعدة أنه حيثما كانت السلطة كانت المسئولية والمقصر يحاسب، وأن يؤخذ بحق الدماء التى سالت فى الميادين وعلى الحدود.. ولا ننسى أن أمن سيناء مدنى فى المقام الأول، وتوطين أبنائها وتمليكهم الأراضى، ورد اعتبارهم، ورفع مظالم النظام البائد عنهم، وتوطين مليون شاب لتعميرها ضرورة ملحة لحفظ الأمن فيها وتنميتها بما يخدم البلد ويرد عنه كيد المتربصين الذين يحاولون فرض نظام المناطق العازلة كما فى جنوب لبنان؛ خدمة لإسرائيل. سيدى الرئيس، إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أدرك نفسك وأدرك مصر قبل أن تعصف بها العواصف وتعود لعصر النكسات. والله الموفق ،،،