عام هجري جديد ، يأتينا فيذكرنا بالفداء والعطاء ، بالتوجه إلي السماء واخلاص الدعاء ، بالأخذ بالاسباب واليقين في رب الاسباب ، بالثقة بالله والايمان بالله . الهجرة تأتينا فتذكرنا بالله اذا نسينا ، وتدفعنا الي العمل إذا فترنا ، وتاخذنا الي الحق اذا غفلنا . الله عزوجل خلق الانسان علي فطرة سوية ، مهيأة للإيمان والحق وحب الخير فالناس في جميع العصور يوجدون علي هذه الفطرة التي لها الاستعداد الكامل للدين وقيمه كما قال تعالي: " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " الروم هذه طبيعة الفطرة الانسانية " ذلك الدين القيم " فهكذا تربط الاية بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا الدين، وكلاهما من صنع الله وكلاهما، موافق لناموس الوجود، وكلاهما متناسق مع الاخر في طبيعته واتجاهه، وهذا يدل علي أن الخير والميل إليه أصيل في النفس البشرية ، وأن الصفاء والنقاء والإستعداد المتوافق مع أوامر الدين ونواهيه هو طبيعة الفطرة ، فهذا يعني: أن البيئة والمجتمع هو الذي ينحرف بالفطرة ويفسدها، ويلوثها، ولذا إذا انحرفت النفوس عن الفطرة فلن يردها إلا هذا الدين المتناسق مع الفطرة . وأصحاب الفطرة الطيبة في البيئة الطيبة يفرون بدينهم ويهاجرون الي ربهم ، وينصرون نبيهم ، وهكذا كان المهاجرون الاول ، وهكذا يكون المهاجرون الجدد ، يطيعون ربهم ،ويفرون بدينهم ، وينصرون سنة نبيهم ، مهما لاقوا من شدائد ومكائد !! الهجرة - اذن - قصة مكررة عبر الزمان والمكان طالما هناك خير وشر ،وحيث وجد حق وباطل ، وأينما كان هدي وضلال . الله عز وجل أوجد نموذجين فريدين ، المهاجرون والأنصار ، مهاجر بدينه تاركا ماله واداره ، واخر انصاري يأوي وينصر ويبذل . المهاجرون فقراء لكنهم هاجروا فرارا بدينهم وطاعة لربهم ، لم يحجبهم فقرهم المدقع ولم تؤخرهم أموالهم القليلة ، ولم تشدهم دورهم البسيطة ، ابتغاءً لفضل الله ورضوانه.، ونصرا لله ورسوله ، لذلك كانت الشهادة القرآنية والتزكية الربانية بصدق التوجه واخلاص النية …" للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقين " الحشر " والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن ويوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " الحشر الأنصار : هاهم بنص القرآن يدخلون إيمانهم كما يلجون دورهم فيحميهم ويقيهم ويزيدهم حبا وأخوة وإيثارا وفلاحا . ثم الذين يأتون من بعدهم همهم الدعاء لاخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان ، فالاسلام لايربط الأجيال المعاصرة فحسب ، وانما يربط الأجيال اللاحقة بالسابقة فيدعون لهم بظهر الغيب أن يغفر الله لهم كيف ؟! " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم " الحشر المهاجرون الجدد لايحملون الغل ولا يبطنون الكراهية ، وهي أمراض الأمة التي أودت بها الي مستنقع الجدال والتشرذم ، وجعلت الأمة قصعة يلتف حولها كل آكل ، لينهش في جسد الأمة حتي صارت ضعيفة هزيلة بعدما هانت علي الله فهانت علي الأعداء ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، وتسترد الأمة عافيتها حين تعود إلي كتاب ربها وسنة نبيها ،وتعرف أن رسول الله تعرض لكل المحن والمواقف ليكون أسوة المهاجرين الجدد في كل عصر ومصر كيف ؟! ها هو القائد المحنك الرحيم الودود - صلي الله عليه وسلم - قبل أن يهاجر ذاق الفقرحتى إذا نصح الفقراء بالصبر كان فقيرا ، إذ دخل إلى بيته مرةً فقال: هل عندكم شيء؟ فقالوا: لا، قال: فإني صائم. وذاق الغنى فسأله أحد رؤساء القبائل لمن هذا الوادي من الغنم؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله إنه لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر. ذاق القهر كما يقهر المسلمون اليوم، أذاقه القهر في الطائف فقال: يا رب إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي. ذاق النصر في مكة، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، ذاق الفقد ، أذاقه موت الولد؛ إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وما نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. وقد طلقت إحدى بناته . ذاق الاذي وأن يشيع الناس أن زوجته التي هي أقرب الناس إليه وقعت في أثمن ما تملكه فتاة، تكلم الناس في عرضها في حديث الإفك، ذاق كل شيء ووقف من كل شيء الموقف الكامل، لذلك كان قدوةً لنا وأسوة .. " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " الأحزاب اللهم اجعلنا مهاجرين اليك ، متوجهين اليك ، ومتوكلين عليك ، مستعينين بك ..