حب المصريين وتقديرهم لفلسطين شعبًا وأقصى وقدسًا، حب وتقدير يضاهى حبهم لتاريخ الكفاح العربى ضد كل أنواع الاستعمار، وقضية تحرير فلسطين التى ظلت لأكثر من ستة عقود معلقة بين أصابع الاحتلال الصهيونى ومتأرجحة بين مصالح أمريكا والغرب باتت جزءًا لا يتجزأ من همنا اليومى بجانب تلال الهموم التى نعانى منها كمصريين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وحلمنا بتحرير الأقصى والقدس أصبح حتميًا، بما فى ذلك إنقاذ شعب غزة المحاصر الذى يعانى الموت والجوع بفعل حصار الاحتلال له قرابة 3 أعوام انتقامًا منه لهيمنة حماس على القطاع. ولم يدخر الشعب المصرى ولا الحكومات السابقة فى عهد جمال عبد الناصر والسادات أو فى مطلع سنوات حكم المخلوع جهدًا ولا دعمًا ولا مالاً أو مشاعر لمنحها للفلسطينيين؛ لمساندة قضيتهم العادلة فى تحرير أرضهم وقيام دولتهم، وهذا ليس منة من مصر، بل لأن فلسطين العربية هى الرئة الشرقية لمصر وحارس بوابتها من تلك الجهة التى كانت دومًا منفذًا لكل الحملات الاستعمارية التى استهدفت مصر على مر العصور، لهذا لم تلعب مصر يومًا دورًا استثنائيًا فى قضية فلسطين، بل دور له وزنه الإستراتيجى وعمقه السياسى. ومن المؤكد أن إتاحة الفرصة لعودة مصر لدورها المؤثر فى العمق العربى والإسلامى سيكون له انعكاساته الإيجابية على القضية الفلسطينية، وهذا ما يخيف إسرائيل، ويجعلها لا تتمنى الأمن والاستقرار لمصر حتى لا تعود لدورها الريادى القوى فى المنطقة، ولهذا تختلق إسرائيل سيناريوهات الإرهاب القادم إليها من سيناء، والصواريخ المنطلقة إليها من تلك البقعة المصرية من أجل تحفيز أسباب الصراع مع مصر وإلهائها عن ترتيب البيت من الداخل، ومن ثم عن الالتفات للقضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى بالمنطقة بقوة. وكما سبق الإشارة، مصر تحتاج الآن إلى ترتيب بيتها من الداخل أولاً، والسير فى طريق حل كل ما يؤرقها من ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية، لذا من الهام جدًا فى تلك المرحلة الحرجة عدم فتح جبهات لاستيراد مشكلات من فلسطين أو أى من دول الجوار، فهذا أمر غير مقبول تمامًا، وأى مطالبات من حركة فتح أو حماس على وجه التحديد بفتح المعابر أمام الفلسطينيين وإدخال المساعدات والوقود من شأنه إحراج مصر وإرباك قيادتها، خاصة أن إسرائيل تروج منذ فترة لتقارير حول خطط لاستغلال سيناء لتتخلص من مشكلة غزة وحماس للأبد، وتحويل سيناء إلى ما يشبه الدويلة الفلسطينية لاستيعاب سكان غزة، لذا فتح أبواب مصر على مصراعيها أمام الفلسطينيين الآن أو التلويح بإلغاء تأشيرات دخولهم لمصر أمر مرفوض وتوقيته غير مناسب تمامًا، فمصر تئن الآن من الفقر والبطالة والمشكلات السياسية، ولا يمكن لفلسطين أن تفسر ذلك بتخلى مصر عنها وعن قضيتها، بل عليها أن تقدر أن مصر ما تزال فى بداية مرحلة التعافى ولا يمكن لعليل مساعدة عليل، وإن صحت وقويت وتمكنت من التحرك فى شتى الاتجاهات، واستعادة دورها القومى والإسلامى بدعم المقاومة وحماية القدس والثوابت الفلسطينية، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. إذًا على فلسطين الانتظار قليلاً، فمن المؤكد أن مصر حين تقف على قدميها بسرعة ستعمل على إعادة صياغة الخطاب السياسى الفلسطينى، والبدء بتكوين تكتلات وتحالفات عربية وإقليمية ودولية لحماية القضية الفلسطينية، وبهذه المناسبة فقد آن الأوان لتحيل مصر ملف فلسطين إلى الخارجية بدلاً من جهاز المخابرات كما كان الحال إبان عهد مبارك لإعطاء القضية العمق السياسى المطلوب، خلاصة القول أن أى تحرك لفتح الأبواب أمام النزوح الفلسطينى أمر مرفوض الآن لأن التوقيت غير مناسب على الإطلاق.