مع تزايد معدلات الفساد فى مصر تزداد قناعتى يوماً بعد يوم أن تحقيق العدالة الإجتماعية فى مصر كان وسوف يظل حلماً بعيد المنال . وتؤكد كل الوقائع والمؤشرات أن زيادة الفجوة بين الأغنياء ومعدومى الدخل يؤكد صحة هذا الكلام . ويؤسفنى القول إن السياسات الحكومية منذ سنوات وحتى الآن لم تحقق أى تقدم ملموس فى هذا الشأن والدليل أن الأثرياء فى مصر يزدادون ثراءً والفقراء تتزايد معدلات العوز والحرمان والفقر لديهم ، ما يؤكد أن كل ما يقال عن إهتمام الحكومات المتعاقبة بمحدودى الدخل ليس إلا شعارات سياسية جوفاء لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يحدث على أرض الواقع المصرى حتى اليوم . فى هذا الإطار أعود مرة آخرى الى الدراسة المهمة التى صدرت منذ أيام بعنوان " كيف تعمقت ظاهرة اللامساواة في الدخل والثروة في مصر؟ " والتى أعدتها الباحثة وسام محمد لنكشف المزيد من الأرقام والحقائق الصادمة المتعلقة بهذا الملف الشاك . الدراسة كشفت أن هناك عدة دراسات صدرت لتناقش وضع اللامساواة فى مصر ولكن البيانات فى مصر تفتقر إلى وضع الصورة الكاملة والدقيقة عن اللامساواة، وتعتمد الدراسات على مسح بيانات الدخل والإنفاق للقطاع العائلي الذي يصدره إصدارها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كل عامين باعتبارها مؤشرًا صالحة لقياس التفاوت بين الأسر. وعلى هذا، يعاب عليها أن معظم البيانات المتاحة تتعلق بالاستهلاك وليس الدخل، وهو بذلك لن ينعكس نصيب الفئات الأعلى من حيث الدخول والثروات، فليس بالضرورة أن تنفق الشريحة الأعلى فى المجتمع أكثر من الشرائح الأخرى، حيث هناك حدًا أقصى للإنفاق الاستهلاكي مهما بلغ ثراء المرء، فقد يشتري مأكولات بعشرة أضعاف الفقير أو عشرين ضعفًا فى حين أن دخله يساوي أكثر من ألف ضعف، فيما يوجه الشريحة الأعلى دخلهم إما للادخار أو الاستثمار وليس الإنفاق الاستهلاكي. وتم تقسيم الإنفاق السنوي للفرد وفقًا لشرائح الإنفاق العشرية لأول مرة لعام 2015، حيث يتم توزيع الأفراد على عشر شرائح إنفاقية متساوية في عدد الأفراد، بحيث كل شريحة تضم 10% من إجمالي الأفراد وذلك بعد ترتيبهم تصاعديًا طبقًا لقيمة الإنفاق السنوي للفرد على أن تضم العشرية الأولى( الدنيا) أقل من 10% إنفاقًا، والعشرة العليا ( أكثر من 90% إنفاقًا)، وفى هذا السياق يؤكد الخبراء على عدة حقائق منها أن متوسط إنفاق الفرد في الشريحة العشرية الأعلى تبلغ حوالي 70 ضعف متوسط إنفاق الفرد في الشريحة الدنيا، ولكن لم يذكر في البيانات نصيب 1% أكثر غنى في المجتمع من الإنفاق لإظهار الصورة كاملة، وعلى الرغم من أن هناك تطور إيجابي في استخدام الشرائح العشرية إلا أنه أقتصر على الإنفاق ولم يتم تفعيله على شرائح الدخل حتى يتم تحديد مدى تركز الدخول بالنسبة لكل شريحة. وكشفت الباحثة وسم محمد أن توزيع الدخل فى مصر يشهد مستوى مرتفع من عدم المساواة، ففى عام 2015، كان نصيب شريحة ال10% الأكثر ثراًء 48.5% من إجمالي الدخل، وفي عام 2017 كان نصيب ال 1% الأكثر ثراًء 18% فى حين كان 19.1% من إجمالي الدخل فى مصر فى عام 2015 وهو انعكاسًا لتعويم الجنيه وتراجع قيمتها وارتفاع معدل التضخم. واستكمالًا لما سبق، يعمق التضخم الذي حدث في الفترة الماضية جراء التعويم من أزمة اللامساوة، فهل تواجه الشرائح المختلفة فى مصر نفس معدل التضخم؟ و لا شك أن هناك اختلاف كبير في الأجور تبعًا لاختلاف الشرائح في مصر، فكل شريحة تختلف توجه إنفاقها عن الأخرى، بمعنى الأسرة صاحبة دخل قيمته 1000 جنيه توجه إنفاقها نحو الاحتياجات الأساسية، تختلف عن الأسرة ذو دخل 100 ألف جنيه فهي لم توجه دخلها على الإنفاق، بل توجه إلى الادخار أو الاستثمار، مثال على ذلك شهادات الادخار التى تم إصدارها عقب تعويم الجنيه بفائدة 20 % تدر عائد شهري تستطيع هذه الأسر من خلاله مواجهة التضخم القائم، فحين يتآكل التضخم من قيمة الدخل النقدي لدى الشرائح الدنيا، وتستطيع الشرائح العشرية العليا تحقيق عوائد مرتفعة (سواء فيما تحصل عليه من دخول مرتفعة أوما تملكه من الثروة) تفوق معدل التضخم وتفوق معدل النمو في مصر. وأظهرت البيانات أن كلًا من الطبقة الوسطى والغنية يشكلون معًا 15%، في حين أن 85% من الأسر المصرية تعيش على دخل أقل من 4.170 جنيهًا فى الشهر، وعلى الوجه المقابل وصلت نسبة الفقراء إلى 27.8% من السكان؛ وهم من يعيشون على دخل 472 جنيهًا فى الشهر. وكشفت أن هناك 50% من السكان غير مستفيدين من التأمين الصحي، ومن يقطنون في أقل شريحة دخل بجانب من يعملون في القطاع غير الرسمي هم الأكثر عرضة للحرمان من التأمين، ولكن وفقًا لقانون الصحي الجديد سيتضمن جميع الأفراد في المجتمع، كما ارتفع نصيب الفرد في التأمين الصحي ليصل إلى 1160 جنيهاً، ولكن يظل هناك تفاوت في الإنفاق على الخدمات الصحية لمختلف الشرائح في المجتمع ، حيث يبلغ متوسط نصيب الأسرة في العشير الأعلى من الإنفاق على العيادات الخارجية 40 ضعفًا من متوسط نصيب الأسرة من الإنفاق في العشير الدنيا، ووفقًا للموقع الجغرافي، نجد أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة بلغ 4290.1 جنيهًا على الخدمات والرعاية الصحية في الحضر مقابل 3166.4 جنيه فى الريف، على الرغم من أن عدد سكان فى المناطق الريفية أكبر من المناطق الحضرية، أن اللامساواة في التعليم والصحة، الذان يعتبران مؤشران للدولة النامية، فهما من شأنهما أن يؤثر على النمو الاقتصادي، فليس هناك دولة قادرة على تحقيق تنمية برأسمال بشري يعاني نصفه من الجهل وغير أصحاء ما ينعكس على إنتاجية العمل في المجتمع. هذه الحقائق والأرقام السابق الإشارة اليها أتمنى أن يكون المسئولون فى كافة الجهات الرسمية فى مصر على دراية كاملة بها ، حتى يقوموا بوضع سياسيات جديدة تحقق الأهداف المرجوة منها لتحقيق حلم الوصل للحد الادنى للحياة الآدمية لأبناء الشعب المصرى ، حتى لا يظل الأمر قاصراً على شعارات ترفع وكلمات تتردد فى المؤتمرات السياسية ووسائل الإعلام وتحت قبة البرلمان الذى تحول الى مجرد تابع للحكومة وليس رقيباً عليها وفقا للصلاحيات الممنوحة له فى الدستور الذى صدر فى عام 2014 .