عندما وصلت الحافلة التابعة للشرطة الأردنية، والتي تقل صحفيين عربا وأجانب، صباحا إلى فندق "راديسون ساس" الذي كان شهد انفجارا انتحاريا قبل ليلة واحدة، شدد الضابط المرافق للصحفيين، على ضرورة الانضباط والالتزام الكامل بالتعليمات قبيل دخول "مسرح الجريمة"، وأكد الضابط أن 12 جهازا أمنيا يعملون حاليا في المنطقة المستهدفة من الزيارة، وأن خبراء يعملون الآن في رفع البصمات وآثار الانفجار، وأن أي تحرك غير محسوب يمكن أن يؤدي إلى ضياع أي دليل يمكن الإفادة منه في التحقيق، وكان ذلك التنبيه كافيا لكي ندرك استثنائية ما سنقوم به. كان ذلك بداية الجولة التي نظمتها مديرية الأمن العام، للصحفيين العرب والأجانب العاملين في الأردن صباح الخميس (10/11) بعد أقل من 12 ساعة من وقوع انفجارات استهدفت ثلاثة فنادق غرب العاصمة عمّان، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات، واستهدفت الجولة المذكورة زيارة الفنادق التي تعرضت للتفجير. وعندما قرر المسؤولون الأردنيون السماح للصحفيين بدخول مواقع التفجيرات، وزيارة "مسرح الجريمة"، كان العشرات من الأردنيين بدأوا بالتجمهر أمام الفنادق التي تعرضت للتفجير، هذا التجمهر الذي تطور فيما بعد ليصبح مسيرات جابت شوارع العاصمة، تعبيرا عن الغضب والصدمة. وبالرغم من أن الصحفيين، وبحكم طبيعة عملهم، من أكثر روّاد الفنادق وقاعات الاحتفالات، إلا أن هذه الزيارة من حيث وقتها وخلفيتها جعلت "الوجوم" يطغى على الوجوه، وبدأنا خطواتنا الأولى نحو مسرح الجريمة، نسير خلف الضابط المسؤول، وكأن على رؤوسنا الطير، وكانت الخواطر تتزاحم ونظرات العيون تزداد توترا. وعند الوصول إلى البوابة الرئيسة لفندق "راديسون ساس" الذي وقعت فيه أكبر الخسائر البشرية، بدأ كل شيء يتغير، وبدا أننا نتجه نحو مجهول سينقلنا من العالم التقليدي إلى عالم آخر، حتى زيّ رجال الأمن وهيأتهم كانا يتغيران كلما اقتربنا أكثر من مركز الانفجار، وعندما أصبحنا على مقربة من "القاعة" كانت رائحة الموت تزداد، في الوقت الذي قررت فيه بعض الصحافيات المرافقات التوقف عن التقدم أكثر. كان الزجاج المحطم في كل مكان، فيما تبعثر الأثاث المهشّم وقطع من الحديد والبلاستيك في بهو الفندق، وغطى المكان غبار يجعلك تعتقد أنك تدخل منطقة مهجورة منذ عدة سنوات، وبعد تجاوز البهو كان الصحفيون أمام قاعة "فيلادلفيا" التي اشتقت اسمها من الاسم التاريخي للعاصمة الأردنية، تلك القاعة التي أصبحت الآن واحدة من أشهر القاعات الفندقية، بل أصبح حفل الزفاف الذي كان قائما بها، هو الآخر واحدا من أشهر الأعراس الذي سيذكره الأردنيون لعقود أخرى من الزمان. وتتمركز قاعة "فيلادلفيا" في نهاية بهو الفندق ذي النجوم الخمس، واشتهرت القاعة الأنيقة باستقبال الآلاف من أعراس الأردنيين، وبجانب القاعة مباشرة، يتمركز أيضا "البار" الخاص بالفندق، وهو الركن المخصص لبيع المواد الكحولية واحتسائها، ويفصل بين هذا البار والقاعة، قاطع متحرك من مادة الجبصين. حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن منفذ التفجير ربما استهدف ذلك البار، إلا أن التصاقه بقاعة الأفراح وفصله عنها بقاطع بسيط أدى إلى هذه الخسائر البشرية الكبيرة. وداخل "القاعة"، لم يكن هناك شيء من آثار "العرس" سوى منصة العروسين المزدانة بالورود .. والدماء والركام ورائحة الموت. كانت فرق التحقيق والأدلة الجنائية منتشرة في كل زوايا القاعة، وكان كل شيء على الوضع الذي كان عليه لحظة الانفجار، فقط القتلى والجرحى هم من تم نقلهم إلى خارج المكان، إلا أن دماءهم وملابسهم وحتى شعر رأسهم الملتصق بالجدران، كان ما زال في "مسرح الجريمة". وعندما سألت أحد ضباط الأدلة الجنائية، عن القطعة المعدنية الحادة التي يحملها في يده، والتي تشبه إلى حد كبير جدا تلك الأداة التي تستخدم في تقطيع الحلويات العربية، قال لي بصوت منخفض "ننزع بها الأشلاء والقطع البشرية الملتصقة بالجدران"، وبعد أن تنبهت إلى أن دماء الضحايا تلطخ السقف، سألته كيف وصلت هذه الدماء إلى هذا المكان المرتفع؟، قال لي: "أنت تستغرب وصول الدماء إلى هناك؟! .. لقد قضينا ليلة أمس (ليلة التفجير) في نزع القطع البشرية التي التصقت بهذا السقف" وأضاف: "لقد كان انفجارا كبيرا .. والتفريغ الهوائي الناجم عنه مزق كل شيء وجعله يتناثر ويلتصق بالجدران والأسقف". ومن خلال طريقة تحرك الخبراء الأمنيين داخل القاعة، الذين كانوا يلبسون الكمامات والقفازات، بدا اهتمامهم بكل تفاصيل ما حصل، حتى الغبار بالنسبة لهم له قيمة معلوماتية، وبدقة متناهية، كانوا يلتقطون أدق الشظايا والقطع والبصمات، مستخدمين أحدث التجهيزات المتاحة. يشار إلى أنه عند حدوث التفجير في الفندق المذكور، كان حفل زفاف لعائلتي الدعاس والعلمي الأردنيتين قد بدأ، الأمر الذي تسبب في خسائر بشرية كبيرة، حيث فقدت العروس والدها ووالدتها في هذا التفجير، فيما فقد العريس والده وعدد كبير من الأقارب والأصدقاء من كلا العائلتين، الأمر الذي حدوث صدمة في الشارع الأردني. وإلى يتمكن موظفو الفندق، من إعادة القاعة إلى ما كانت عليه قبل التفجيرات، ستظل الورود المتناثر على أرض القاعة، والدماء والركام والزجاج، وأدوات الطعام، والسقف المدمر، هي آثار حفل زفاف، شاءت الأقدار أن يكون في الوقت الذي قرر فيه "إرهابيون" مفترضين أن هذا المكان أصبح "مركزا لمحاربة الإسلام" و"مقرا لالتقاء أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية" فقرروا فتح "حوار دم" معه.