مع سجدة محمد صلاح في ليفربول، وقراءة الفاتحة لمسعود أوزيل في الأرسنال، ودعاء بول بوجبا في مانشستر يونايتد، وصلوات نانغو كانتي في تشلسي؛ باتت جماهير كرة القدم الإنجليزية تنظر بروح ايجابية للإسلام، عبر ما امتثله هؤلاء اللاعبون وغيرهم بسلوكيات الاسلام المعتدل. الأهزوجة التي ردّدتها جماهير “الريدز” في ملعب “أنفيلد” في ليفربول وهي تحيي نجمها المصري اللامع محمد صلاح؛ مذهلة بحق، وراجت بشكل كبير في كل أنحاء العالم، بسبب النادي الانجليزي العريق، الذي كان سيّد الملاعب الأوروبية في جيلي بفترة الثمانينيات الميلادية من القرن الفارط، وتَعجبُ لقوة كلمات الأهزوجة الحماسية التي تعكس ما فعله هذا الساحر المصري الملهم في هاته الجماهير، بسبب أخلاقه والتزامه الديني المعتدل، وقبل ذلك –بالتأكيد- فنياته الراقية في الملعب، والتي كسب بها قلوب من في تلك المدرجات الصعبة الارضاء، فصارت من وحي مكانة محمد صلاح في قلوبها تهزج، بكل مناسبة يسجل فيها النجم المصري هدفا، بصوت عال: “إذا كان جيداً بالنسبة لك؛ فهو جيدٌ بالنسبة لي.. إذا سجّل أهدافا أكثر؛ سأصبحُ مسلماً أيضاً”. وتنتهي الأغنية بكلمات: “هو جالسٌ في المسجد.. هذا هو المكانُ الذي أريد أن أكونَ فيه”. كلمات قوية ومعبّرة جدا، تعكس مدى حبّ هذه الجماهير للاعبنا الخلوق المسلم، وهي الجماهير التي يُضرب بها المثل في الوفاء لناديها الأشهر، الذي تعرّض لانتكاسات متتالية وهزائم تاريخية من عقدين من السنوات، بيد أن هذه الجماهير تصابر، وترّدد له دوما عقب كل مباراة: “لن تسير وحدك”. صحيفة “الغارديان” البريطانية أفردت تحقيقا واسعا حول سلوك هؤلاء اللاعبين المسلمين، وتغييرهم النظرة السلبية في الغرب التي تكوّنت عن الاسلام، وعلّقت بقولها: “تمتلك أغلب الأندية الكبيرة في إنجلترا نجوما يظهرون انتماءهم للدين الإسلامي بشكل واضح، ممتزجة بشخصياتهم المثيرة داخل الملعب وخارجه، مما ساعد على تقبّل فكرة الإسلام عند الكثيرين من متابعي اللعبة في إنجلترا والعالم”. “الغارديان” أثنت كثيرا على محمد صلاح، ووصفته بأنه الرمز الأشهر لقدرٍ من التغيّر في نظرات المشجعين تجاه المسلمين، ووصفت النجم المصري بأنه: “مثال نموذجي للشاب المسلم في بريطانيا”، فهو، وفقا لها: “مثابرٌ في العمل، متعلقٌ بمجتمعه (المسلم)، ويطمح للسلام في بلده وحول العالم، كما أنه ملتزمٌ بالصلاة مع زملائه ساديو مانيه وإيمري كان”. وأضافت الصحيفة بأن صلاح ليس المثال الوحيد، وساقت أمثلة لهؤلاء اللاعبين الملهمين، وذكرت بول بوغبا لاعب مانشستر يونايتد الذي قالت عنه بأنه: “لا يتوانى عن إظهار التزامه الديني، فبين صورة مرتديا الملابس الفاخرة، ومقاطع تكشف عن مهاراته الكروية الساحرة على حساباته الشخصية التي يتابعها الملايين؛ تجد صورة له أثناء أداءه مناسك العمرة، أو أثناء ذهابه لأداء صلاة الجمعة في مانشستر”. هناك أيضا اللاعب الفنان -ممن أسروني بشكل خاص- بتلك اللمسات السحرية الرائعة بقدمه اليسرى، نجم فريق الأرسنال مسعود أوزيل، الألماني ذو الأصول التركية، الذي تشتهر صوره ولقطاته؛ وهو خافضٌ رأسه ليقرأ سورة الفاتحة قبل بداية كل مباراة، وبات اللاعب المحبوب الأول لدى جماهير الأرسنال. قبل كل هؤلاء اللاعبين، أتذكر موقف الساحر الايفواري الأسمر يحيى توريه في مانشستر سيتي، الذي ضرب مثالا لالتزام اللاعب المسلم قبل ثلاث سنوات، عندما رفض استلام جائزة “أفضل لاعب في المباراة” التي تتمثل بزجاجة شمبانيا، والتي لاقت إعجاب الكثيرين من المتابعين حول العالم، وكسب احترام المجتمع البريطاني برمته، عبر سلوكه الملتزم. أعود لتحقيق صحيفة “الغارديان” التي ساقت أسماء الجزائري رياض محرز أفضل لاعب في موسم ( 2015-2016) والسنغالي ساديو مانيه، والألماني إيمري كان لاعبا ليفربول، والألماني شكودران موستافي مدافع أرسنال، والجزائري إسلام سليماني مهاجم نيوكاسل، والمصريين أحمد حجازي وعلي جبر مدافعا وست بروميتش ألبيون، والفرنسي مامادو ساكو مدافع كريستال بالاس، وآخرين غيرهم. وساقت اسم الفرنسي نغولو كانتي لاعب وسط تشلسي، أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للموسم الماضي، الذي وصفه زميله سابق له في نادي غرينوبل الفرنسي بأنه “محترم جدا، متدين جدا، ولا يفوّت الصلاة”، وذلك أثناء إقامته مع اللاعب في نفس الغرفة خلال معسكرات الفريق. ختمت صحيفة الغارديان تقريرها عن اللاعبين المسلمين في بريطانيا بقولها: “وبالنسبة للمواطنين الذين لا يرون المسلم سوى شخص غريب الأطوار ومتحفظ، فهم يغيّرون رأيهم الآن”. وأكدت أن كلمة “رائع” هي الوصف المناسب لهؤلاء الرياضيين، الذين بدأت شعبيتهم بتغيير الرأي العام شيئا فشيئا. أوجّه هنا رسالتين، أولاهما لمعالي الشيخ محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الاسلامي، وهو يقوم بمهمة تاريخية، لا يستطيعها إلا أفذاذ الرجال، في تصحيح صورة الاسلام في الغرب؛ بضرورة استثمار نجومية هؤلاء في مهمته النبيلة، وأزعم أن اللاعب الواحد منهم ربما يستطيع تغيير قناعات مئات الآلاف بل الملايين إلى الصورة الوضيئة لإسلامنا المعتدل، بما يفعله اللاعب محمد صلاح وغيره من زملائه المسلمين في ملاعب أوروبا، وبما لا تستطيعه عشرات المؤتمرات الكبرى ومئات الدعاة هناك. ومثلُ معاليه؛ رجلٌ عميقٌ وملمٌّ بأثر كارزمية ونجومية هؤلاء الأبطال المنمذجين أمام عشاقهم من كل بقاع الأرض، ومن مختلف الديانات، وقد باتوا أماثيل ايجابية وأبطالا قدوات أمام اليافعة والشباب بالخصوص، ولو استثمرناهم في إبراز صورة إسلامنا في الغرب والعالم بعمومه؛ لكسبنا كثيرا في معركة التصحيح التي نخوض. الرسالة الثانية لمعالي المستشار بالديوان الملكي، وصاحب الشخصية الحازمة والقوية، الذي استطاع تخفيف كثيرٍ من تعصّب الاعلام الرياضي عبر منصبه كرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في المملكة الأستاذ تركي آل الشيخ؛ أنّ مناسبة كأس العالم المقبلة في روسيا؛ مناسبة عالمية كبرى، ينبغي علينا اهتبالها، وتمرير رسائل اعلامية لكل العالم، ومن الضروري أن نبرز هناك نموذج السعودية الحديثة القادمة، التي يرسم ملامحها اليوم أميرنا الشاب محمد بن سلمان، عبر الرؤية الأمل 2030. من الضروري الاستعانة بخبراء الاعلام وأساطين الميديا ودهاقنة التأثير؛ لصياغة خطة ذكية وغير مباشرة باستثمار تلك المناسبة الرياضية العالمية، لإيصال رسائل عبر لاعبينا ووفدنا المشارك هناك، وإبراز صورة السعودية الشابة المعاصرة المنخرطة في الحداثة. بل أكثر من ذلك، أدعو معاليه بالتنسيق والتعاون مع رؤساء المنتخبات العربية التي وصلت هناك، لتقديم صورة ايجابية مشتركة عن العرب كذلك. الرياضة قوة ناعمة كبيرة، ودرسُ محمد صلاح وما فعله بجماهير ليفربول، وغزل “الغارديان” به؛ حافزٌ لنا لتفكيك أسرار ذلك التأثير، وتفعيل تلك القوة لصالح هويتنا ورسالتنا.