كنت أظن أن كونى أحد أبناء الحركة الإسلامية، قد يعفينى من تعليقات السباب والشتائم، وإشارات التخوين والإهانة، لكن يبدو أن مجرد الاقتراب من الإسلاميين بكافة تياراتهم، خاصة الإخوان والسلفيين، وتوجيه النقد والنصح لهم، كفيل بأن يسمعك ما لا تطيق، الأمر الذى يؤكد أن الحركة الإسلامية فى حاجة ماسة وعاجلة إلى تعزيز ثقافة الحوار، والقبول بالرأى الآخر. على مدار ثلاث مقالات متتالية كتبتها فى "المصريون" كانت الأولى بعنوان "لا تبكى يا لميس".. والثانية "هل يتنحى خيرت الشاطر".. والثالثة "إخوانى السلفيين.. لا نريد بلاكمة جددًا"، تداعى إلى ذهنى أن أقوم بتحليل مضمون للتعليقات الواردة من القراء عليها، الأمر الذى وصل بى إلى نتائج متناقضة ورؤى متغايرة. فى المقال الأول كنت بحسب تعليقات القراء "قلم جرىء، مقال رائع جدًا، مقال عظيم لكاتب موهوب لا يخشى فى الله لومة لائم، لا فُض فوك أيها الجرىء، بارك الله لك، جزاك الله خير جزاء على هذه المقالة، أحسنت يا ابن إبراهيم، تسلم ويسلم قلمك، ينصر دينك يا أستاذ أحمد". تحولت الدفة فى المقال الثانى إلى تعليقات من عينة "كل من ملأ صدره الحقد راح ينتقد فى الإخوان، موتوا بغيظكم، مقال خايب جدًا كعادة مقالاتك، كرهك للإخوان لن يبرر فشلك كصحفى، كفاية استنتاجات وكلام أهبل وعبيط، الكاتب ده كداب ومريض نفسى، خسارة الحبر اللى راح فيه". وانطلقت مدفعية الشتائم فى تعليقات المقال الثالث، وجاءت على النحو التالى "مين سمح له يكتب فى هذه الجريدة المحترمة، مقال صادم، من كثرة الغثاء أصابك تلوث فكرى، لا نريد مرجفين جددًا، إنت شكلك راجل متخلف، أنت تنفع تشتغل فى أمن الدولة وتكتب تقارير ممتازة، هذا الكاتب الذى لا نجنى من مقاله إلا نشر الغسيل الوسخ، نرجو فصل هذا الكاتب، تمنى أن يلتفت الأستاذ جمال سلطان إلى كتاب جريدته لتطهيرها من أمثال الكاتب". قراءة مضمون تعليقات المقالات الثلاث يؤكد مدى حاجة أبناء الحركة الإسلامية إلى النضج الفكرى عند قراءة الرأى الآخر دون تشنج أو عصبية، والرد بمنطقية على ما يثيره- أى كاتب- بالحجة والمنطق، دون سبه ب"الأب و"الأم"، مع تعزيز ثقافة النقد والحوار لتصويب مسار الحركة الإسلامية، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. المؤسف أن بعض التعليقات البذيئة جاءت على لسان "بعض" من يرتدون ثوب "الإسلاميين" وجاءت من "إخوان" و"سلفيين" يعرفوننى وأعرفهم، فى محاولة لإرهاب الكاتب واغتياله أدبيًا ومعنويًا لمجرد أنه أدلى برأى مخالف لما يدور فى أذهانهم، أو طرح تساؤلات ومخاوف منطقية بشأن فصيل ما، فمن أقصى اليمن "كاتب جرىء ومغوار" إلى "أهبل وخايب وأمن الدولة" بمقدار تحول 360 درجة!!! اللافت أن "بعض القراء" لا يدركون مغزى ما يكتبه الكاتب أو دلالات ما يقصده، وما بين السطور من رسائل، وينصب نفسه أميراً يمنح هذا أو ذاك صكوك الوطنية والإخوة، أو صك التخوين والعمالة وربما الخروج من الملة، بشكل لا يضيف للكاتب بعدا جديدا لإثراء الحوار، أو معلومة هامة، أو رد منطقى لدحض ما يثيره من تساؤلات، بل قد يذهب به إلى منحى أكثر عدائية وتطرفًا فى حال تأثر بتعليقات أهل السباب والشتائم. الانتماء للحركة الإسلامية ليس "كارنيه" يمنحه مكتب الإرشاد أو الدعوة السلفية، بقدر ما هو فكرة ومشروع حضارى وإنسانى ننشد من ورائه نهضة الأمة بهوية عربية وإسلامية، والكاتب - فى أى منبر- ليس فى حاجة إلى تعليقات مادحة حتى يسيل مداد قلمه، وفى نفس الوقت لا ينتظر سبابًا ب"الأب" أو "الأم"، أو اتهامات ب"العمالة لأمن الدولة"، يا أهل الدعوة ب"الحكمة والموعظة الحسنة". مناهج التربية، التى يدرسها أبناء التيار الإسلامى - فى الأسر والشعب والكتائب- يجب أن يتم تعزيزها بمواد تصقل ثقافة الحوار والقبول بالرأى الآخر، مع ترسيخ حرية النقد والتصويب يا من تتدارسون فى السير الموقف التاريخى ل"الحباب بن المنذر" فى غزوة بدر مخاطبًا رسولنا الكريم"أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه.. ولا نتأخر عنه.. أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأى والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله.. فإن هذا ليس بمنزل"، وأدلى برأيه مخالفًا الرسول وناقدا للموقع الذى اختاره، وهو ما كان أحد أسباب النصر. إلى إخوانى الليبراليين والإخوان والسلفيين.. سأظل أنتقد "آلهتكم التى تعبدونها من دون الله" إذا أخطأوا، دون أن أجزع من سباب أو تسفيه، فأهلا بالشتائم وأهلا بالحسنات.