الرهان على الحشد المنظم.. ووقف زيادة أسعار الوقود والسكة الحديد قوبلت الدعوة التي أطلقتها أحزاب وشخصيات عامة المنضوية في "الحركة المدنية الديمقراطية" لمقاطعة الانتخابات الرئاسة تحت شعار: "خليك في بيتك" بردود فعل بين من اعتبرها موقفًا قويًا من المعارضة، إزاء القيود التي وضعتها السلطة أمام المرشحين الجادين لانتخابات الرئاسة، وبين مَن قلل من أهميتها، باعتبار أن الأحزاب لا تمتلك شعبية أو قاعدة جماهيرية واسعة تتيح لها تفعيل دعوتها على الأرض. وأظهرت اللهجة الحادة التي تحدث بها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال افتتاحه لمشروعات فنية بحقل "ظهر"، الثلاثاء الماضي، استياء من هذه الدعوات، إلى الحد أنها اعتبرها جزءًا من مخطط خارجي يهدف للعبث بأمن البلد واستقراره، ما اعتبره مراقبون تهديدًا صريحًا للقوى الداعية للمقاطعة، ومؤشرًا على إمكانية شن حملة اعتقالات في صفوفها ردًا على ذلك. وتقدم المحامي محمد حامد سالم، ببلاغ إلى النائب العام المستشار نبيل صادق، ضد قيادات "الحركة المدنية الديمقراطية"، يتهمهم فيه ب "التحريض على قلب نظام الحكم، وإسقاط الدولة للأبد"، والإضرار بالاقتصاد والأمن القومي المصري، من خلال إثارة الرأي العام والتحريض ضد الدولة والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج، وبث روح التشكيك، والإحباط، والفتنة بين الشعب وبعضه، وبين الشعب ومؤسسات الدولة. واختص البلاغ كلاً من خالد داوود رئيس حزب الدستور، ويحيي حسين عبدالهادي، ومحمد سامي رئيس حزب الكرامة، وحمدين صباحي، وداوود عبد السيد مخرج سينمائي، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وأحمد فوزي الأمين العام السابق بالحزب المصري الديمقراطي، ومدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الديمقراطي، وأحمد البرعي وزير التضامن الأسبق، وعمرو حلمي وزير الصحة الأسبق، وجورج إسحاق، وأحمد دراج، وعبدالعليم داوود. فيما اتهم الدكتور ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، الحركة المدنية الديمقراطية بارتكاب "جريمة"، من خلال بيانها الذي يدعو لوقف الانتخابات ووقف الهيئة الوطنية للانتخابات، وعدم الاعتراف بأي مما ينتج عنها، واصفًا ذلك بأنه بمثابة الانقلاب. وتسال: "هل هذه الحركة داخل أم خارج النظام؟ لو داخل النظام من حقها تفعل أو تقول أي شيء بما لا يعارض الدستور، أم إذا كانت خارج النظام كما أوحى لي البيان الآخر، فذلك يعني أنها لا تعترف بالدستور الحالي، هل يعملون في سياق متصل بما يجرى خارج هذا البلد أم منفصل عنه؟". في غضون ذلك، كشفت مصادر مقربة من دوائر السلطة عن تحرك جاد؛ لمواجهة دعوات المقاطعة للانتخابات، يتمثل في العديد من الخطوات السياسية والأمنية والاقتصادية لمنع أي تعاطي إيجابي من القواعد الشعبية مع تلك الدعوات، وضمان وجود حشد شعبي ولو نسبي خلال أيام الاستحقاق الثلاثة تعزز شرعية العملية الانتخابية أمام القوى الإقليمية والدولية. وأضافت: "أولى التحركات جاءت عبر سلسلة من التعليمات المشددة للمؤسسات والأجهزة الحكومية، بوضع ضوابط لإلزام موظفيها بالمشاركة في العملية الانتخابية وضمان إحضار ما يثبت مشاركتهم عبر بصمة اليد أو تسجيل فيديو من اللجنة الانتخابية أثناء التصويت، وإنزال عقوبات شديدة إزاء المؤيدين للمقاطعة". وتابعت: "لن تقتصر التحركات عند هذا الحد، إذ ستجري أجهزة رسمية اتصالات مع رجال الأعمال ورؤساء مجالس إدارات الهيئات والشركات الكبرى؛ لإلزام العمال والموظفين والإداريين فيها بالمشاركة في الانتخابات وتقديم ما يثبت المشاركة، مع إمكانية صرف حوافز مالية لهم". الاتصالات امتدت إلى المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر والأوقاف والكنيسة؛ والطرق الصوفية، وحزب "النور" والتيارات السلفية، مثل "المداخلة والجامية والرسلانيين"، المؤيدة للسيسي من أجل التحفيز على المشاركة في العملية الانتخابية، التحركات امتدت كذلك إلى القبائل العربية، بالعمل على ضرورة حشد أبنائها؛ واستغلال نفوذها لاسيما في الصعيد؛ للتصدي لأي دعوات للمقاطعة، والعمل على تكريس رأي عام يعتبر المقاطعة نوعًا من التآمر على أمن مصر واستقرارها، واستجابة لتعليمات "أهل الشر"، وانسجامًا مع جهود دول إقليمية رافضة لاستقرار مصر وتنميتها. وبموازاة ذلك، صدرت تعليمات من مجلس الوزراء بالتوقف عن إقرار زيادات في السلع والخدمات خلال الفترة المقبلة لضمان مرور آمن للانتخابات الرئاسية، وهو ما ظهر بشكل واضح في تراجع وزارة النقل عن إقرار زيادات هي الأكثر في تاريخ مرفق السكك الحديدية يتراوح بين 20 إلى 40% في القطارات المكيفة وبين 150 إلى 200% للقطارات المميزة والمطورة، فضلاً عن تأجيل أي تحريك لأسعار المحروقات والوقود خلال الفترة المقبلة. كما صدرت تعليمات لوسائل الإعلام الموالية للسلطة لإظهار أن الدولة تمارس جهودًا مكثفة لدى صندوق النقد الدولي؛ لتأجيل إلغاء الدعم عن الوقود لعدة أعوام، نظرًا للظروف الاجتماعية الشديدة التي تعاني منها البلاد، والإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع فاتورة الديون الخارجية يجبران الدولة على رفع الأسعار في إطار التحركات الاقتصادية، والتأكيد على أن مقاطعة الانتخابات لن تحل مشاكل مصر. غير أن هذه التحركات ذات الطابع الرسمي للتصدي لدعوات مقاطعة الانتخابات لم تؤثر بشدة على المعسكر الداعم للمقاطعة؛ إذ قلل من أهميتها، ورأى أنها لن تكون لها تأثير على المشاركة الشعبية في الانتخابات، لاسيما في ظل غياب المنافسة الجادة وحرمان بعض المرشحين من خوض الانتخابات. مدحت الزاهد، رئيس حزب "التحالف الديمقراطي"، رجّح استجابة قطاع كبير من المواطنين لدعوات المقاطعة في ظل غياب المنافس الجاد للرئيس السيسي، وغياب ضمانات شفافية الانتخابات الرئاسية، التي حالت دون تقدم مرشحين جادين لخوض هذه الانتخابات، قائلاً إن "المشهد السياسي في مصر الآن أصبح قائمًا على تجريف ومصادرة وإغلاق المجال العام، فضلًا عن حصار الأحزاب والجمعيات الأهلية والنقابات". واعتبر أن "رسائل التهديد والقمع الأمني لن تفلح في ثني المصريين عن التجاوب مع دعوات المقاطعة"، رافضًا وصف دعوات المقاطعة بأنها "عمل سلبي، بل إنها رد إيجابي على تقييد حق الترشح للانتخابات وتضييق الساحة أمام المرشحين الجادين، بل واللجوء لإرهاب الخصوم السياسيين، وكل هذه الإجراءات ستدفع المصريين لمقاطعة الانتخابات".