لا أستطيع أن أخفى قهرى وحزنى وصدمتى من ذلك الصعود الصادم وغير المتوقع لمرشح الثورة المضادة، المدعو أحمد شفيق، كما لا أستطيع أن أكتم حنقى وغيظى من كل من كان وراء تقتيت الصوت الثورى عامة والإسلامى خاصة. فقد بحت أصواتنا وأصوات كثيرين ونحن ننادى بضرورة الالتفاف حول مرشح واحد فى صورة مجلس رئاسي، نستطيع به حسم السباق من جولته الأولى، حتى لا نجد أنفسنا فى هذا المأزق، وحتى لا تكون ثورتنا عرضة للاختطاف من فلول النظام السابق، وحتى لا تعود مصر إلى الوراء، ولكى لا نبيت فى هم وغم وقلق وخوف على ضياع الثورة وإخمادها. ولكنه الغرور والكبر والعناد والأنانية، التى أصابت جميع مرشحى الثورة بما فيهم الإسلاميون – أفرادًا وجماعات – إذ بات كل واحد منهم يرى نفسه الأحق والأجدر بمنصب الرئيس، ولا يرى نفسه فى موقع غيره، فأصبح المنتخب حائرًا بينهم، مقسومًا بسببهم. منذ إعلان النتائج وأنا وكثير من المصريين المغتربين فى كرب وهم وخوف من المستقبل، الذى حلمنا به، وبنينا فيه بيوتا نخشى الآن أن تكون أوهن من بيت العنكبوت، ويزيد من خوفنا وقلقنا تكتل فريق الكنز الإستراتيجى لإسرائيل، أو فريق الثورة المضادة، ووضوح أهدافهم، وتخطيطهم المحكم لتحقيق هذه الأهداف، فى الوقت، الذى نرى فيه معسكر الثورة بكل مكوناته، ما زالوا يجتمعون ويتشاورون ويقترحون ويدرسون، ويتمنعون ويترفعون، وينظرون إلى مستقبلهم السياسي، ويحسبون لأنفسهم ولتياراتهم ألف حساب، وتغيب عنهم مصلحة الوطن، ومستقبل الثورة، الذى غدا فى مهب الريح. إننا فى الخارج نواجه كثيرًا من نظرات العتب والإنكار وأحيانا السخرية من أشقائنا العرب، بسبب ما وصلت إليه نتيجة الانتخابات، وكان أقسى تعليق آلمنى وأدمى قلبى ما قاله أحد الإخوة(إن بذرة الربيع العربى زرعتها تونس، وبانتخاب شفيق يكون موتها على يد مصر)، فياله من عار تحمل وزره فى المقام الأول القوى الثورية، التى اهتمت فى الفترة السابقة بنفسها، وأهملت هموم وطنها، وأخذت فى الصراع والشقاق على أمر يعد فى هذه المرحلة مغرمًا، وليس فيه أدنى شىء من الغنيمة أو الربح. ومع ذلك فإن الأمل يحدونا والثقة فى الله تعالى تملأ قلوبنا، لأنه وحسب سنن الله الكونية، التى تقضى بأن الأيام دول - إذ يقول الحق جل وعلا(وتلك الأيام نداولها بين الناس)- فإن هذه الجولة ستكون للثوريين بإذن الله رب العالمين(عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون)، شريطة أن يحدث ما يلي: أولا: التقارب والتفاهم والتواضع والتنازل دون استعلاء أو ابتزاز، والنظر إلى مصلحة الوطن وتقديمها على مصلحة الأفراد والأحزاب والجماعات(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). ثانيًا: الصدق فى النوايا والأقوال والأفعال، مع الإخلاص لله تعالى ثم للوطن. ثالثًا: البعد عن الانتهازية السياسية والابتزاز بأى صورة من الصور(إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع). رابعًا: الإقرار بالخطأ والتعهد بعدم العودة إليه، وتقديم البراهين على ذلك، وهذه البراهين تتمثل في: • الإسراع فى تشكيل اللجنة التأسيسية وفق معايير تضمن تمثيلا مناسبًا لكل شرائح المجتمع دون إقصاء أو استحواذ؛ لإنجاز الدستور فى أسرع وقت. • تشكيل فريق رئاسى بصلاحيات حقيقية، على ألا يمتنع أحد عن الدخول فيه، ومن هذا المنطلق أناشد الدكتور أبوالفتوح بقبول منصب نائب الرئيس؛ لما له من دور مهم فى مد جسور التواصل والتقارب بين شرائح المجتمع، وهو ما تحتاجه مصر بشدة فى هذه الفترة، ولما للدكتور من قبول عام يمكنه من تحقيق ذلك. • الإعلان عن حكومة وفاق وطنى تضم المخلصين والمتميزين من جميع التيارات السياسية والشخصيات الوطنية، القادرة على العبور بالبلاد من أخطر مرحلة فى تاريخها الحديث. بذلك يتجدد الأمل، وتمضى الثورة فى تحقيق أهدافها كاملة غير منقوصة، وبغيره تصبح ثورتنا ودماء شهدائنا فى مهب الريح، ووقتها لن نتردد فى أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل.