عرف المصريون على مدار التاريخ كمجتمع متجانس متآلف يجمعهم نسيج وطنى واحد بغير نزعات طائفية أو عرقية، لكن شيئًا ما حدث فى العقود الأخيرة شوه هذه الصورة، ولم تعد صورة بهية التى تتهادى على ضفاف النيل وهى تحمل البلاص على رأسها وتتسع ابتسامتها العذبة لتحتوى العالم هى رمز مصر. لقد أدت سياسة حكم العسكر على مدار خمسين سنة مضت إلى الانسداد السياسى الناتج عن القمع، فلم يعد بوسع كل تيار فكرى أن يعبر عن أفكاره بشكل علنى فيقبل منه المجتمع ما يقبله ويهذب ما يرفضه ويحدث نوع من التلاقح والتبادل فى الأفكار التى تثرى العمل السياسى، ولأنه لا يمكن حرمان المرء من اختياراته وانحيازاته الفكرية فقد صار ذلك يتم تحت الأرض. ولأن جماعة الإخوان المسلمين من أقدم الجماعات الإسلامية الوطنية فقد اضطرت للتكيف على ما مرَّ بها من محن عديدة وانفراجات قليلة، ولكى تحافظ على كيانها المتماسك أسست وحدة عبقرية هى الأسر أو الخلايا التى هى كيان اجتماعى وفكرى ودعوى وترفيهى وتعليمى فى آن واحد وأصبح للإخوان شبكة للتواصل الاجتماعى يتم عبرها التكافل والتعاون، وهذا الأسلوب الذى حافظ عليه والتزم به الجميع كان من أهم عوامل استمرار الإخوان وقوتهم فى حين انفرط عقد كثير من الكيانات الأخرى سواء إسلامية أو غير إسلامية وذابوا فى المجتمع. كانت النتيجة أن جماعة الإخوان صارت تحيا داخل (مجتمع موازى) يسير بجوار المجتمع المصرى ويتماس معه أحيانًا ولكنه لا يذوب فيه، مجتمع الإخوان له عاداته وتفضيلاته وثقافته الخاصة، وكان أغلب الناس يغبطونهم على نجاح تجربتهم وتماسك جماعتهم. كنتيجة للانسداد السياسى أيضًا ظهر ما يمكن تسميته بالحساسية النفسية لدى الأقباط خوفًا على هويتهم واستقلالهم وقبولهم كشركاء حقيقيين فى الوطن، وظهر أيضًا نوع من التطرف الليبرالى الذى يدافع دومًا عن الدولة المدنية والحريات الشخصية وحرية الإبداع. عندما قامت ثورة 25 يناير كانت فى حقيقتها تعبيرًا عن رغبة الشباب النقى فى كسر تلك القيود والحواجز النفسية، أراد الشباب إرسال رسالة واضحة للكبار اخرجوا من وراء الجدران التى تعزلكم عن بعض وارجعوا كما كنتم تجمعكم مصريتكم وحرصكم على مصالح وطنكم وليعبر كل منكم عن رأيه دون تجريح أو مزايدة ثم نتعاون جميعًا فى إعادة بناء الوطن، وقد شهدت الأيام الأولى للثورة عودة هذا التلاحم الوطنى بالفعل، فى الميدان كان السلفى والقبطى والإخوانى والليبرالى جنبًا إلى جنب نفس الهدف ونفس المصير ولكن بعد انتصار الثورة عاد الجميع إلى خنادقهم الأولى وغاب صوت الشباب النقى عن المشهد. ويبرز سؤال لماذا يخاف الناس من الإخوان؟ لأنهم يخافون ممن يعيش داخل مجتمعه المغلق ولا يعرفون عنه شيئًا و يصير من السهل أن يصدقوا عليه ما يروجه الإعلام المضاد، الناس تخاف وبشده من المساس بحرياتها الشخصية وحقها فى الإبداع، وتخاف أكثر من فرض نمط محدد للحياة عليهم، يخاف الناس أيضًا من التحيز لفئة المتدينين على غيرهم من الفئات. المجتمع المصرى متدين ولكنه يعلى قيمة الحرية فوق كل اعتبار، قالت لى جارتى (إذا انتخبت الإخوان سوف يمنعون زوجى من عمله بالسياحة وهى مصدر دخلنا الوحيد وسيجبرون ابنتى على النقاب ويعاقبون ابنى لأنه يدخن) كان أمام الإخوان عامًا ونصف العام لطرح صورة إيجابية عن أنفسهم عبر المنافذ الإعلامية التى يملكونها (الجريدة والقناة) وعبر كل القنوات والمؤتمرات العديدة التى شاركوا فيها، كان عليهم إيصال رسالة واحدة للناس هى أن مرسى رئيس لكل المصريين. فى المستقبل القريب أتمنى التوفيق للدكتور مرسى صوتى له وكلنا وراءه، ولكن فى المستقبل البعيد أعتقد أن الرابح الحقيقى فى سباق الرئاسة هو (الدكتور أبو الفتوح) لأنه ثورى واستطاع تكوين تيارًا من كل أطياف المصريين فى وقت قياسى ومنفتح على الناس بكل طبقاتها دون قيود تنظيمية أو إرث تاريخى سابق، فى رأيى (أبو الفتوح) شخص جديد يناسب عهد جديد ويصلح أن يكون رئيسًا لكل المصريين.