بينما كنت جالسًا وحدى أتأمل ما يحدث فى مصر الثورة من تداعيات الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة وما نتجت عنه من معضلة سياسية لا ولن يحلها إلا تعاون شركاء الثورة ورفقاء الميدان وأصدقاء سجون المخلوع، سواء كانت سجونًا مادية ما بين طرة وأخواتها وبين غرف لاظوغلى المهينة وأخواتها فى كل مكان كان لأمن الدولة وجود، أو سجونًا معنوية لم يسلم منها أى فرد من مجتمعنا؛ لشعوره أنه سجين بيته أو عمله أو سجين نفسه. هذه المعضلة هى انقسام الجماعة المصرية إلى فريقين متمايزين: فريق تتملكه نفسية العبيد أو(الماسوشية) التى تحب جلاديها وتعشق معذبيها وتلعق حذاء راكليها؛ فتحن إلى الماضى وعبوديته وألمه، حتى باع صوته وراء سراب الإغراء المادى وتحت تأثير وتخدير مطارق دكاكين (التوك شو)! وفريق يحمل نفسية الأحرار الذين يمتلكون حلمًا كبيرًا بمستقبل كريم لهم ولمصرهم ولأحفادهم! حفيدى يقتحم خلوتى! وفجأة دخل على حفيدى فقطع على تأملاتى؛ وبادرنى قائلاً: جدى الحبيب؛ اسمح لى أن أحصل منك على إجابات صريحة لأسئلة نتناقلها أنا وأصدقائى حول أجيالكم. ازددت ذهولاً؛ وقلت: يسعدنى أيها الحبيب الرائع. فقال: جدى الحبيب كانت هناك ثورة على الظلم ومن أجل الحرية والعدالة والكرامة فى 25 يناير 2011. 1-لقد كان لها إرهاصات بعقود قبلها، وشارك فيها صانعو الخيام الذى مهدوا لها الطريق. فمع من كنت؟ وهل تشرفت بأن تكون أحد صانعى الخيام؟ أم شاب ثوبك بعض الارتماءات فى أحضان حملة مباخره من السياسيين والإعلاميين والمواطنين؟ 2-لقد سمعنا عن جمهورية التحرير الفاضلة؛ فهل شاركت فيها؟ 3-وإن كنت شاركت فمن هم رفقاؤك الذين تعايشت معهم فى الميدان أو أين صورك معهم؟ 4-وإن كنت شاركت فهل شاركت فى الثمانية عشرة التاريخية الأولى؟ أم زرت التحرير بعدها كسائح لالتقاط الصور التذكارية؟ 5-بعد هذه الأيام انقسمتم إلى فرق تتجمع حول جذورها وتعود إلى أفكارها.. فمع من كنت؟ 6-لقد عانت الثورة كثيرًا من تداعيات سياسية وفكرية ودموية. فهل كنت ممن يسمون (حزب الكنبة) فتنتقد العاملين؟ أم كنت مشاركًا انتصارًا لفكرتك؟ 7-لقد وقعت كل طوائف وفئات الجماعة الوطنية فى أخطاء جسيمة وكارثية وتلك طبيعة الثورات فهى تجارب بشرية، ولا يمكن مقارنتها بمراجع تاريخية، أو محاسبتها على مقاييس ثابتة. فهل كنت تشرِّح الآخرين والمخالفين وتتساقط زلاتهم؟ أم كنت ملتزمًا معهم بأدب الاختلاف؟ 8-لقد كانت الثورة تتعرض فى مسيرتها لأعاصير القوى المضادة العاتية، وتلك طبيعة التجارب التاريخية التغييرية العظيمة. فهل كنت ضمن ركب اليائسين المثبطين؟ أم كنت ضمن ركب الحالمين المتفائلين؟ 9-لقد كان من ضمن أحداثها العظام استفتاءات وانتخابات عديدة. فهل كنت ضمن السلبيين؟ أم ضمن المشاركين الإيجابيين؟ وإذا كنت من الإيجابيين؛ فمن هو الذى اخترته؟ هل اخترت أحد الشرفاء الذين مهدوا وصنعوا وشاركوا فى الثورة؟ أم اخترت من تلوثت أيديهم بدماء مصر وأبنائها؟ 10-لقد كان لك رفقاء تلك المرحلة الثورية العظيمة، فهل تستطيع مواجهة رفقائك فى هذه الأيام لتقول لهم هكذا كان موقفى وهكذا كان دورى وهكذا كان صوتى الحر وهكذا كانت إيجابية أسرتى؟ أم أنك تتحاشى المواجهة؟ 11-هذه الفترات الحرجة والتاريخية تكون مراحل اختبار للأمم والأفراد أيضًا.. فهل التزمت بأخلاقيات الفارس أم..؟! 12-أخيرًا.. هل إجاباتك ستشرفنا من بعدك؟ أم أراك، ولا أظن ذلك، قد نكست رءوسنا؟ جدى الحبيب؛ لا تتعجل الإجابة بل لك فرصة لأنها تاريخ. وتدبر معنا تلك الثورة التى بفضل الله ثم بفضل مفجريها وصانعيها وحماتها، ننعم بهذا الخير وهذه الريادة التى تستحقها مصر الكبيرة! وأصبح لنا وطن نفخر به ونتيه به بين الأمم ونحن على مشارف العام 2025م. رسالة.. ومراجعة: فجأة أفقت من غفوتى على وقع كلماته الأخيرة؛ وعلى رسالة من حبيب تخبرنى أن الهجمة الإعلامية الشرسة لا يقف أمامها إلا استشعار كل إيجابى مخلص أنه وحده على ثغرة فلا يجب أن يؤتى من قبله. فصرخت؛ يا إلهى لقد منحتنى فرصة لأصنع تاريخًا لوطنى ولنفسى ولأبنائى بل ولأحفادى من بعدى، تاريخًا أفخر به ويفخرون به. وحتى لا يلومنا أحفادنا!؟. [email protected]