حتى هذه اللحظة لا يمكن الجزم بما تكون عليه صورة جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة؛ لأن هناك طعونًا جدية في النتيجة، وخاصة طعن كل من حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، فهناك صرخات علنية كانت تطلقها حملة أبو الفتوح أثناء التصويت وأثناء الفرز عن قيام رؤساء لجان بطرد مندوبي أبو الفتوح لمنعهم من حضور الفرز، كما أن هناك بِطاقات تصويت مسجلة باسم حمدين وُجدت في زراعات القصب بقنا، وهناك مجنَّدون أدلوا بأصواتهم بالمخالفة للقانون، ولا يُعرف عددهم بالضبط، فهناك مَن يعدهم بالآلاف، وهناك مَن يعتبر أنهم أكثر من نصف مليون، والمشكلة أن الكشوف الحقيقية لا يمتلكها المرشحون، بينما يمتلكها وحده المرشح الذي تدعمه أجهزة الدولة الأمنية والإدارية وتلك علامة استفهام كبرى، أيضًا وبعيدًا عن أي تفاصيل فإن حصول شفيق على هذه الأرقام الغريبة في الشرقية والغربية والمنوفية، هو أمر يحتاج إلى تدقيق ويثير الشكوك بالفعل؛ لأن مبارك نفسه لم يكن يحصل على ما حصل عليه شفيق فيها، ويلاحظ أن هذه المحافظات هي التي شهدت أكثر وقائع الطعن والشكوى، وهي المحافظات التي أحدثت الفارق ودفعت بشفيق للإعادة بدلاً من صباحي أو أبو الفتوح. الحديث عن تنازُل محمد مرسي لحمدين كلام غير مسؤول، ولا يحترم إرادة الناخبين، كما أن مرسي نفسه لا يملك التنازل عن أصوات لا يملكها، وإنما يملكها أصحابُها، حتى لو كان الأمر من الناحية القانونية جائزًا، لكنه من الناحية السياسية غير أخلاقي، أيضًا فكرة أن يحصل حمدين أو أبو الفتوح على منصب نائب رئيس الجمهورية هو أمر غير لائق بالاثنين، وأنا أتضامن معهما في رفض الفكرة الآن؛ لأنها تُظهرهما وكأن المسألة أن يحصلا على جزء من الكعكة، ولكن الأهم أن تكون هناك شراكة وطنية حقيقية بين مرشحي الثورة، ليس على المناصب، وإنما على السياسات والمبادئ والإطار العام لمستقبل الدولة المصرية، وأن يكون هناك ميثاق مكتوب في ذلك، ولا أتصور أن يمانع في ذلك مرشح الإخوان محمد مرسي، وهو قد أبدى بالفعل قبولاً بأي فكرة وطنية تجمع الصف في مواجهة الفلول. نتائج الجولة الأولى لم تكن محبطة أبدًا، صحيح أنه كان لدينا خيار أفضل بأن تكون الإعادة بين اثنين من مرشحي الثورة، وفي هذه الحالة ربما لم نكن نحفل بالذهاب إلى الصناديق مرة أخرى، ولكن الخيار الحالي ليس سيئًا؛ لأنه يعيد تذكير الثورة وقُواها الوطنية بالخطر والقلق على الثورة، ولا بد أن نتذكر أن الثورة كانت تتوحد وتنتصر عندما تشعر بالخطر ويتهدد مسارَها خطرٌ جديٌّ، هكذا كانت في بدايتها عندما توحَّد الجميع لإسقاط مبارك، وهكذا يتوحد الجميع الآن لإسقاط "ظل مبارك"، والرجل الذي يعتبِر الطاغية مَثَله الأعلى، أيضًا النتائج لها أهمية كبيرة؛ لأنها أفرزت لنا دروسًا مهمة في نتيجة صباحي ونتيجة أبو الفتوح تحديدًا سنعود إليها بعد ذلك، كما أنها ستجبر الإخوان على التخفيف من اللهجة المتعالية واستعراضات القوة التي تسببت في خَسارتهم مساحة تصويتية ليست بالهينة؛ فالإخوان تدرك الآن بشكل علمي ورياضي وواضح أنهم لم يحصلوا إلا على قرابة الخُمس من الأصوات وليس حتى الربع؛ لأنه لا يمكن تجاهُل حضور الصوت السلفي الذي دعَّم الإخوان في القاهرة ومناطق أخرى من أمثال الشيخ محمد عبد المقصود وغيره، وكسر احتشاد السلفيين الافتراضي وراء أبو الفتوح، ومن ثَمَّ فالإخوان يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى أن نجاحهم رهين بالتوافق الوطني، وأنهم لن يمروا إلى كرسي الرئاسة إلا من خلال دعم الآخرين لهم من مختلف فصائل الثورة والتيار الإسلامي، وهذا مهم جدًّا ومفيد لقوى الثورة وللإخوان أنفسهم لتصحيح المسار، وبهذه المناسبة أتمنى أن يكون هناك توجيه حاسم لإبعاد بعض الأصوات الإخوانية الخشنة جدًّا والتي تضر بالجماعة إعلاميًا، وهناك اثنان من المحامين تحديدًا ينبغي أن يتم إبعادهما ولو قسرًا عن التعامل مع الإعلام في تلك المرحلة؛ لأنهما أقرب شبهًا بالدبة التي تقتل صاحبها.