ليست مصر وحدها هى التى تنتخب، وليس الشعب المصرى فقط هو الذى يذهب إلى صناديق الاقتراع، بل إن الأمة العربية بأسرها، والشعب العربى فى جميع بلاده يشارك المصريين عرسهم، ويقاسم المصريين عملهم، وهم يفعلون ذلك عن حب وشعور بأن مصر هى البلد الحقيقى، وهى الحضن الدافئ لكل العرب، وهى الشقيقة الكبرى مهما كبرت، أو تآمر عليها المتآمرون. أعمل معارًا فى إحدى الدول العربية، ويعمل معى كثير من إخواننا العرب، من المواطنين والمقيمين، الذين وفدوا كذلك إلى البلد الذى أعمل فيه، الكل بلا استثناء لا حديث له فى هذه الأيام إلا عن الانتخابات المصرية وما يصاحبها من فعاليات، وفرص المرشحين، وما يتمنونه لمصر، فى حديث يبدون من خلاله أكثر متابعة للشأن المصرى من بعض المصريين المغتربين. وهو ما دفعنى إلى أن أمازح أحدهم قائلا: إننى سأطالب فى إحدى مقالاتى بمنح إخواننا العرب حق التصويت فى الانتخابات المصرية، رئاسية كانت أو تشريعية، ولا مانع كذلك من الانتخابات البلدية أو المحلية، قلت ذلك من شدة ما لمسته من اهتمام إخوانى العرب بالشأن المصرى. ثم دخلت يوم الانتخابات على الفيس بوك، فوجدت مقالة للكاتب الصحفى عبدالبارى عطوان يقول فيها(شخصياً أغبط المصريين جميعا على هذا الإنجاز الكبير، وإنجاز التغيير الديمقراطى. وإنجاز إسقاط النظام الديكتاتورى، وأتمنى لو كنت واحداً منهم فى هذه اللحظة التاريخية المشرفة والنادرة، ولاأبالغ إذا قلت إن عشرات الملايين من العرب مثلى يودون أن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع إلى جانب أشقائهم المصريين، ويشاطروهم شرف انتخاب الرئيس المصرى القادم). ووجدت تغريدة للرئيس التونسى المنصف المرزوقى يقول فيها(إن المصريين اليوم سيذهبون إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا رئيسا للعرب)، ووجدت فيصل القاسمى الإذاعى اللامع يقول(اليوم يوم مجيد عز نظيره فى تاريخ العرب، تحية إلى مصر العظيمة، التى تقود قاطرة التقدم فى المنطقة العربية كلها)، وشاهدت مريد البرغوثى يقول (أكاد أحلم بيوم يسمح فيه لكل عربى أن يشارك فى انتخاب رئيس مصر، لأن مصر هى التى تحدد المصائر، إن حضرت حضر العرب، وإن غابت غابوا). ولم يقتصر الأمر على المشاهير، بل تعداه إلى المواطنين البسطاء، فهذه أم محمد تقول فى تغريدتها يوم الأربعاء الماضى (نفسى أكون بمصر، وأنزل أنتخب أبو الفتوح، حد يشحتنى جنسية ساعة واحدة بس، لأحس إننى بنى آدم يختار مصيره)، وهذا طارق المطيرى يقول(الشعور لا يوصف فى مصر الآن فى هذه اللحظة التاريخية، التى لم يسبق للعرب أن انتخبوا رئيسا لهم منذ ما قبل انهيار سد مأرب). هكذا ترجم كل عربى عن شعوره بالنسبة لمصر، وهى مشاعر كما هو واضح تشمل أمرين: أحدهما: الاعتقاد بأن الرئيس المصرى ليس رئيسا لمصر وحدها، بل هو رئيس للأمة العربية كلها، وهو ما قال به الرئيس التونسى نفسه، والثاني: أن الإخوة العرب يطمحون لذلك أن يشاركوا المصريين فى انتخاباتهم، من باب أن ذلك حقهم، وليس حق المصريين وحدهم. وهى مشاعر تضفى علينا نحن المصريين أحاسيس متنوعة بين الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء لوطن بهذا الحجم وهذه المنزلة، وأيضا الشعور بثقل الحمل، وعظم الأمانة، وضخامة المسئولية المتوقعة والمأمولة من مصر الجديدة، مصر الثورة السلمية، التى أبهرت، وما زالت تبهر العالم كله. وإننى إذ أردد بكل فخر الكلمات الصادقة للزعيم المصرى الراحل مصطفى كامل (لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا) أضرع إلى الله العلى القدير أن يولى على مصر رئيسا يحقق لأبنائها أحلامهم، ويحقق كذلك للأمة العربية أملها، ويجمع الله تعالى به كلمة المصريين، وكلمة العرب والمسلمين، إنه على كل شىء قدير، وبالإجابة جدير، ونعم المولى ونعم النصير.