يبدو أن الأزمة السياسية في العراق في طريقها للتصعيد أكثر وأكثر خلال الأيام المقبلة، حيث انتهت المهلة التي حددها الاجتماع الخماسي الذي عقد في إقليم كردستان في 28 إبريل الماضي لرئيس الوزراء نوري المالكي لتطبيق اتفاقية أربيل التي تتضمن إصلاحات قانونية ومؤسسية وإلا سحبت الثقة منه. وكان زعيم كتلة العراقية إياد علاوي اجتمع في 28 إبريل الماضي في أربيل بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، بحضور رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، ودعوا جميعا إلى حل الأزمة السياسية العراقية، مشددين على ضرورة الالتزام بالأطر الدستورية التي تحدد آليات القرارات الحكومية وسياساتها. كما طالب الزعماء السياسيون المشاركون في الائتلاف الحاكم في العراق خلال الاجتماع الخماسي أيضا بضرورة الحفاظ على الاجتماع الوطني والالتزام بمقرراته، والتقيد بالدستور الذي يحدد شكل الدولة وعلاقة السلطات الثلاث، واستقلالية القضاء، وذلك لضمان تأييدهم لحكومة المالكي، مهددين بالتصويت على حجب الثقة عن حكومة المالكي ما لم توقف سياسة التسلط في اتخاذ القرار خلال 15 يوما. وبالتزامن مع انتهاء مهلة أربيل، أعلن النائب عن قائمة العراقية وليد عبود المحمدي أن الكتل السياسية مصرة على تصحيح مسار العملية السياسية وتنفيذ الإصلاحات الحكومية حتى لو تطلب الأمر سحب الثقة من المالكي واستبداله بشخصية أخرى من التحالف الوطني. ونقلت وكالة الأنباء القطرية عن المحمودي قوله إن انتهاء مهلة الخمسة عشر يوما المحددة في اتفاقية أربيل تحتم على المالكي البدء في تصحيح مسار العملية السياسية وإعطاء عهود ومواثيق، أو أن يتم سحب الثقة منه واستبداله بشخصية أخرى من داخل ائتلافه "التحالف الوطني الشيعي". وفي المقابل، دعا النائب عن ائتلاف دولة القانون محمد سعدون الصيهود الكتل السياسية إلى تغليب لغة الحوار البناء والابتعاد عن التصريحات المتشنجة التي تعقد المشهد السياسي. ونقلت قناة "الجزيرة" عن الصيهود القول إن لغة التهديد لن تخدم أي طرف من الأطراف، وإنه يجب على الكتل السياسية ترجيح لغة الحوار والعقل على لغة التهديد، باعتبار أن وجود المشاكل السياسية بات أمرا طبيعيا بين الكتل ويمكن أن تحل عن طريق الحوار البناء، وتغليب المصالح العليا للبلد على المصالح الشخصية والحزبية وتحت مظلة الدستور. وكان الائتلاف الحاكم في العراق الذي يضم الشيعة والسنة والأكراد بدأ في التصدع منذ ديسمبر من العام الماضي بعد رحيل القوات الأمريكية، وذلك عندما سعت حكومة المالكي لتهميش رموز الطائفة السنية عبر محاولة إقالة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء، وإصدار مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، كما تصاعد الخلاف المحتدم منذ سنوات بين الحكومة العراقية والمنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق بسبب تقاسم عائدات صادرات النفط، هذا بالإضافة إلى اتهام بعض الزعماء الشيعة وعلى رأسهم الصدر للمالكي بأنه أصبح ديكتاتورا. ويبدو أن الأسوأ مازال بانتظار العراق، خاصة أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني هدد أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة بإقامة دولة كردية في حال عدم حل الخلافات بين أربيل وبغداد حول توزيع عائدات النفط والثروة. ورغم أنه ليست هناك صعوبة في الحصول على النصف زائد واحد في البرلمان العراقي لسحب الثقة من المالكي في حال تشكلت تحالفات جديدة داخل مجلس النواب، إلا أنه بالنظر إلى أن حكومة المالكي تشكلت في أعقاب انتخابات 2010 غير الحاسمة بتوافقات إقليمية ودولية معقدة، فإن تلك التحالفات الجديدة قد لا ترى النور بسهولة. صحيح أن هناك اعتراضات على سياسات المالكي داخل التحالف الوطني الشيعي من قبل زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم وعادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية السابق وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلا أن إيران تدعم المالكي بقوة ضد خصومه الشيعة، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حريصة على استمرار المالكي على الأقل حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية العام الجاري لتجنب دخول العراق في دوامة الفراغ السياسي. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن العامل الإقليمي والدولي هو الذي يرجح كفة المالكي على خصومه السياسيين، ولذا فإن الأزمة السياسية في العراق في طريقها للتصعيد أكثر وأكثر.