فى مشهد عظيم شهده العالم أجمع منذ أيام على شاشات التلفزيون ألا وهو تسليم مقاليد الحكم الفرنسية للرئيس الشاب ايمانويل ماكرون وفق انتخابات شفافة و نزيهة تمتعت بالتنافسية الإيجابية بينه وبين باقى المرشحين ال 10 والتى أسفرت عن فوز المرشح الشاب ايمانويل ماكرون لمنصب رئيس جمهورية فرنسا لمدة 5 سنوات قادمة و بنسبة أصوات تجاوزت 66 بالمئة. و لكن نرجو ألا تمر علينا هذه الإنتخابات مرور الكرام، بل يجب علينا أن نمحص و نفحص فيها جيدا لما تحويه هذه الانتخابات من عدة دروس بالغة المعنى لعلنا نستفيد منها فى تجربتنا القادمة فى الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها فى أوائل الربع الثانى من عام 2018. الدرس الأول وهو اقتصار عدد المرشحين للرئاسة على خمسة مرشحين فقط من تيارات مختلفة، و هذا العدد القليل يعطى المواطنين الفرصة للإنتقاء للأفضل بدلا من أن يكون عدد المرشحين كثير مما يعمل على تفتيت الأصوات و نشوب حالة من الارتباك و التوهان بالنسبة للمواطن فى كيفية الإختيار. الدرس الثانى أن من بين المرشحين ال 11 أمرأة (المرشحة مارين لوبان) وهذا يعكس مدى الثقافة و الوعى لدى الشعب الفرنسى فى تساوى الحقوق بين الرجل والمرأة خاصة وأستطاعت هذه المرأة أن تحصل على نسبة أصوات تؤهلها للجولة الثانية والأخيرة من الإنتخابات لتنافس ماكرون ولكنها حصلت فى الولة الثانية على نسبة قاربت على 34 بالمئة مما أدى لفوز ماكرون الحاصل على نسبة 66 بالمئة. الدرس الثالث ألا وهو جرأة وثقة الشباب فى خوض التنافس على مقعد الرئاسة الفرنسية لما لديهم من قناعة من اتاحة الفرص فى بلادهم أمام الجميع دون تعصب أو تمييز وهذا ما تم ترجمته بالفعل فى فوز الشاب ايمانويل ماكرون صاحب ال 39 عاما بنسبة 66 بالمئة مع العلم بأنه كان وزير الإقتصاد فى الحكومة السابقة وهذا يوضح لنا مدى اهتمام هذه الدول بالشباب ومنح الفرص الحقيقة والفعلية لهم ليطبقون أفكارهم وقد يكون ذلك سبب تقدمهم. الدرس الرابع و الذى يعد من أفضل الدروس ألا وهو اعلان الرئيس السابق فرانسوا هولاند عدم ترشحه لفترة رئاسة ثانية ومن بين الأسباب التى دفعته لإتخاذ هذا القرار تراجع المكانة الدولية التى شهدتها فرنسا فى الفترة الأخيرة وقد رحب الغالبية العظمى من الفرنسيين بقرار هولاند والذى اعتبروه بمثابة إفساح الطريق وإتاحة الفرصة أمام المرشحين الأخرين لخوض تجربتهم ومعالجة الأوضاع الاقتصادية الفرنسية إلى الأفضل وإعادة فرنسا لمكانتها الدولية. الدرس الخامس وهو ما فعله الفرنسيين أنفسهم بإختيارهم رئيس شاب من بين المرشحين لم يتخط عمره ال 39 وهو أصغر المرشحين سنا رغبة منهم فى تجديد الدماء وإضفاء روح الشباب على أقدم بلد فى القارة العجوز لعودة مكانة بلادهم وسط الأمم وكأنهم يقولون للعالم بأن فرنسا تجدد دماءها بشباب رئيسها. الدرس السادس وهو النقاط الهامة التى أكد الرئيس الشاب ماكرون على العمل على تحقيقها خلال فترة رئاسته التى ستمتد 5 سنوات وهذه النقط هى توحيد الصف الفرنسي، و التغلب على الانقسام والشقاقات داخل المجتمع الفرنسي لإعادة مكانة فرنسا، وإعادة الثقة للشعب الفرنسي في مستقبل بلدهم، وتعهده بأنه سيعمل "من أجل الجميع"، وأن برنامجه سوف يخدم اليمين واليسار. الدرس السابع وهو تعهده بالعمل على إعادة فرنسا إلى مكانتها الدولية وإعادة إطلاق الإتحاد الأوربي مؤكدا أن فى الإتحاد قوية معربا عن ذلك فى جملته "العالم وأوروبا يحتاجان إلى فرنسا أكثر من السابق، ففرنسا قوية، وتدافع بقوة عن الحرية والتضامن." الدرس الثامن هو اختيار ماكرون ل إدوارد فيليب لتوليه رئاسة الوزراء ، حيث يبلغ فيليب من العمر 46 عاما فقط أى أنه يعتبر شابا و كان يشغل محافظا لبلدية (لو هافر) وبالرغم من أن فيليب لا ينتمى لحزب الوسط الذي أسسه ماكرون إلا أن ماكرون رأى أن اختياره لفيليب سيعمل على لم الشمل وجذب شخصيات هامة من يمين ويسار السياسة الفرنسية. الدرس التاسع وهو أعلان حزب ماكرون الجديد الاسبوع الماضي قائمة تضمم 428 مرشحا للإنتخابات النيابية في يونيو المقبل، نصفهم من النساء، وهذا يؤكد لنا اهتمام ماكرون بتفعيل دور النساء فى السياسة الفرنسية كما أن نسبة 5 في المئة فقط من هذه القائمة كانوا أعضاء في البرلمان المنتهية مدته، وجميعهم من يسار الوسط وهذا يدل على عدم اقصاء الوجوه القديمة ولكن تم اختيار أفضلهم من وجهة نظر حزب ماكرون. كل ما سبق يعد دروسا ثرية من الإنتخابات الفرنسية تقدمها فرنسا للعالم وكأنها روشته لعلاج كيفية معالجة التراجع الذى يصيب أحيانا بعض الدول ولكن يبقى السؤال: هل من مستفيد من الدرس الفرنسي؟!!!