فيلم من أفلام الستينيات يُسَمَّي "العائلة الكريمة" تدور قصته حول فتاة تخرج عن طَوْع زوجها بتشجيع من والدتها، فيحاول الزوج إعادتها إلى رُشدِها، وعندما فشلت محاولاته قام بتطليق زوجته، ففرحت أُمّ الزوجة فرحة عارمة مما أثار استياء سيدة من الجيران -كانت حاضرة وقتها-استنكرت ما حدث قائلةً "ليه كده بس؟؟!!. ده سي صلاح (اسم الزوج في الفيلم) سِيد الرجالة اللي في الحتة" فقاطعتها أم الزوجة "عشان انتى ما شفتيش رجالة غير اللي في الحتة". جارة صلاح كانت تري فيه "سيد الرجالة" وهي مُحِقَّة فهي لم تخرج من حدود منطقتها وحماة صلاح أيضاً كانت معذورة فوجودها خارج نطاق الحارة جعلها تقارن بين زوج ابنتها وآخرين، وبالتالي لم يعد صلاح بالنسبة لها "سيد الرجالة اللي في الحتة" مثل الجارة. قفز إلى ذهني وقتها الكمية الهائلة من المنشورات المتبادَلة بين الأزواج والمخطوبين على "الفيسبوك" والتي يشاهدها المئات من الأصدقاء والمتابعين والآلاف من أصدقاء الأصدقاء; فهذه الزوجة تشكر زوجها على الهدية الجميلة بمناسبة ذكري زواجهما السابعة وأُخري تكاد تطير من الفرحة بسبب الإجازة التي قضتها مع زوجها في الغردقة والثالثة تُصَوِّر هَدِيَّة خطيبها الثمينة بمناسبة "موسم التزاوج عند البطاريق" مع كثير من القلوب أسفل الصورة والرابعة تنشر صورة لها مع عريسها من إحدى جزر تايلاند في شهر العسل والخامسة تأخذ سيلفي في أرقي "كافيهات" القاهرة بعد حفلة عيد الميلاد التي فاجئها بها خطيبها والسادسة والسابعة والثامنة وهلم جرا. عندما تقع تلك المنشورات أمام ضعاف النفوس من هواة المقارنة و "النفسنة" فإن النتيجة تكون حالة من عدم الرضا مع محاولة اختلاق المشاكل والشجار مع الطرف الآخر الذي لم يفعل مثل ما جاء بالمنشور، وهنا لن يصبح الزوج "سيد الرجالة" ولن تظل الزوجة "ست الستات" فالدائرة اتسعت والمقارنة أصبحت أمراً واقعاً. "المقارنة"; هذه الآفة التي زاد من حِدَّتِها انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وزاد معها الحقد والغيرة والحسد مع اتساع دائرة الخلافات الزوجية. يكفي أن أُخْبِرَك عن وقوع حالة طلاق كل 6 دقائق بمصر وبنسبة كبيرة تكون حالة عدم الرضا الناتجة عن المقارنات سبب لوقوع الطلاق. يأتي ذلك في ظل تفريغ العلاقة الزوجية من مضمونها وحصرها في عدد من المظاهر والشكليات الفارغة بعيداً تماماً عن جوهر العلاقة. ذلك بالإضافة لعدم تنشئة الولد أو البنت على تَحَمُّل المسئولية مما لا يقيم بيتاً أو يبني أُسْرَة. تلك المنشورات والمقارنات ليست قاصرة فقط على العلاقات بين الأزواج ولكنها قد تمتد إلى أنواع أخري من العلاقات الاجتماعية مثل العلاقة بين الإخوة، زملاء العمل، الأصدقاء، الجيران، أفراد العائلة، والدوائر الاجتماعية المختلفة التي قد يتواجد فيها أي فرد. ولعل الجميع يعرف أنَّ قابيل قتل هابيل لأنّهَ قارن نفسه به عند تقديم القرابين واستنكر قبول الله لقربان أخيه، ولم ينظر قابيل مثلاً إلى أنه قدم قرباناً مخالفاً للمواصفات الربَّانية. قارن نفسه بأخيه ولم ينظر إلى نفسه فيُقَوِّمها فوقعت الجريمة الأولى في تاريخ البشرية. خلاصة القول، أنَّ البشر يعيشون من خلال سِيَر حياتهم عدد لا نهائي من التباديل والتوافيق ولن تجد شخصيْن مهما بلغت درجة قرابتهما أو اتصالهما متماثلان في كل شيء، حتى لو كانا أَخَويْن توأم. قد يظلان متماثليْن لفترة طويلة في معظم الأشياء ولكن هناك نقطة سينفصلان عندها عن بعضِهما البعض ويبدأ كل واحد في إكمال سيرة حياته بطريقة مختلفة. قد نتشابه فقط في أجزاء من حياتنا فهذا له نفس تاريخ ميلادي وهذا زميلي في المدرسة وهذا كان معي في الجامعة وهذا زميلي في العمل وهذا له نفس الأب والأم (الإخوة) وهذا يسكن في نفس العمارة وهذا توفي في نفس يوم وفاتي (من الغَيْبِيّات) وهذا تزوج نفس المرأة (بعد الوفاة أو الطلاق). ولو بحثتَ بين 92 مليون مصري أو بين 385 مليون عربي أو حتى بين 7 مليار و487 مليون إنسان يعيشون حول العالم، فلن تجد أي شخص يشبهك في سيرة حياتك بنسبة 100?، بل لن أبالغ إذا قلت; "لن تجد أي شخص له نفس سيرة حياتك منذ خَلَقَ اللهُ آدم إلى يوم القيامة". وثق تمام الثقة أنك لن تأخذ كل شيء في حياتك -مثلك مثل غيرك -الذي لم ولن يأخذ كل شيء في حياته، وإلا أصبحت حياتنا هي الجنة التي "لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ". وفي النهاية تبقي لي كلمة: المقارنة شيء عَبَثِي يُفْضِي إلى فراغ. علامة التساوي غير موجودة إلا في الرياضيات وأي محاولة لإيجادها فهي محاولة فاشلة مآلها إلى التعاسة الأبدية، فارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس. تحياتي م/ مصطفي سعيد ياقوت مهندس بترول