بعد نشر «المصريون» رد الدكتور الروائي يوسف زيدان، على الداعية الإسلامي الحبيب على الجفري، ووصفه للأخير بأنه حرف التاريخ أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة مؤخرًا، احتدمت الأقاويل والردود بين الطرفين فضلًا عن تفاعل قاعدة جماهيرية كبيرة مع ردود كلاهما. وكان «زيدان» قد فند بعض الوقائع الأساسية التي استند عليها «الجفري» في كلمته، يوسف زيدان: هذا ما حرَّفه «الجفري» في حضور «السيسي»، من جانبه رد «الجفري» على تلك الانتقادات معترفًا بخطأه في بعضها وتمسك بصحة البعض الأخر مستشهدًا أيضا بأدلة تاريخية. وقال ردًا على «زيدان» في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» :« 1- أصاب جزاه الله خيرًا في تعليقه حول الظاهر بيبرس فقد كان سبق لسان من الفقير وكان المقصود هو القائد قطز.2- جلال الدين شاه هو نفسه جلال الدين منكبرتي الخوارزمي، وقد وهم الأخ د يوسف زيدان في تقييمه لنصر الله جيش مصر على المغول فهو ما أثبته جمع من المؤرخين، وليراجع الأخ د يوسف زيدان مسالك الأبصار وممالك الأمصار إن شاء وإليه نص عبارته: "ونهض الجيش المصري بما عجزت عنه ملوك أقطار الأرض ولم يكن الجيش المصري بالنسبة إلى الجيوش الجلالية إلا كالنقطة في الدائرة. والله يؤيد بنصره من يشاء وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. وهذا من المعجزات النبوية وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على من عاداهم إلى يوم القيامة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ألا وهم الجند الغربي). وتابع :« ولم يظهر على التتار سواهم. وبهذه النصرة دامت النصرة على التتار، وكانت بهم لا بغيرهم مع كثرة من كان من ملوك الإسلام واجتهادهم في الجهاد فتماسك بهذه المرة رمق الإسلام وبقيت بقية الدين ولولاهم لانصدع شعب الأمة وهي عامود الملة، ووصلت خيل عبدة الشمس إلى أقصى المغرب ودكت جميع رعان الأرض". انتهى الاقتباس. و لا أوافقه بأنه لم يكن هناك جيش لمصر فالمماليك بشهادته قد تدربوا في مصر وانتموا إليها، وحربهم للمغول كان نصرًا دق مسماره في نعش أسطورة استحالة هزيمة هذا الجيش، وليست معلومة فيلم كما زعم أو توقع بل هي نقل عن كتاب من الكتب المعتمدة في تاريخنا سواء أخذ به الدكتور أم رده» . 3. الحديث عن جنود مصر في المحاضرة بُني على الحديث الشريف وهو ثناء نبوي عاطر على طبيعة الجندي المصري وبشارة أثبتها الواقع، وليست مقصورة على زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يكن فيه جيش مصري كما ذكر الدكتور. 4. لا أوافقه في تعليقه بأن ما يجري في بلدي اليمن ليس بسبب انقسام الجيش بل هو بسبب انقسامه وتعدد ولاءاته بين الرئيس السابق ومنافسه من قرابته وحزب الإصلاح الإخواني والمتأثرين بالحوثيين، والجنوب والشمال، وأما مقارنته بليبيا وسوريا فهي غير دقيقة لأن الظرف في البلدين تعلق بتدخل حلف الناتو في الأولى والدول المتنافسة على الإقليم في سوريا، فكيف وقد انقسم الجيش الليبي على أسس قبلية، وأنشأت مجموعات من الجيش السوري لتكون النواة المؤسسة للجيش الحر، بينما بدأ تمزق اليمن في اشتباكات داخلية منذ التسعينيات، وتصاعدت بعدها في حروب داخلية متتالية قبل الحرب الأخيرة. 5. زعمه بأن الفقير إلى الله أراد مجاملة الجيش المصري العظيم نوع من الرجم بالغيب لا يليق بمثله، فما استكن في القلب من محبة هذا الجيش وإجلاله أمر في القلب لم يطلع عليه الأخ د يوسف زيدان، وكان حريًا بمثله عدم الحكم على النيات، ولو سلكت مسلكه لقلت بأنه مستثقل لتمجيد جيش مصر ومستخف بقيمته ولم يحتمل محاضرة لا تزيد عن ربع ساعة للتذكير ببعض من مناقبه في مرحلة يتعرض فيها هذا الجيش العظيم لحملة تشويه منظمة ويتعرض رجاله للقتل في مواجهة خوارج العصر، ولكن الفقير لا يحكم على النيات، بل وأحاول حسن الظن والتماس العذر للأخ د يوسف زيدان بأن غيرته على العلم حملته على تصويب ما توهم خطأه. واختتم رده قائلًا :«ذكر الفقير إلى الله في نفس المحاضرة أننا في عصر الفتن نعيش ثقافة التشكيك في كل شيء، فمن التشكيك في تدوين السنة وفِي المعراج وحتى في حقنا في المسجد الأقصى إلى التشكيك في الجيش الأقوى المتبقي للأمة.. هذا كثير يا دكتور!». «زيدان» يرد من جديد ولم يتكفي الروائي المعروف يوسف زيدان بما وجهه إلى «الجفري» ولكنه أصر على الرد أيضُا، وكتب موضحًا الأتي :« فيما يخص "الهوجة" التي توهّجت فجأة ، أمس ، فكان جانباً منها يناصر كلامي عن الأخطاء المعرفية في جلسة التثقيف الرئاسية ، نكايةً في الرئيس السيسي و الحبيب الجفري . و الجانب المضاد يهتاج ضدي و يورد الاتهامات الكاذبة و التهديدات الزاعقة معتبراً أن كلامي موجّه ضد جيش مصر ، و ضد المصلحة العليا للبلاد . . و كلا الجانبين يجانب الصواب ، بقصد أو بدون قصد ، و من هنا أقول : أولا : لست في حالة عداء مع أحد ، و لا وقت عندي لذلك . و لم يخطر ببالي قط ، الهجوم علي الجيش المصري أو التقليل من شأنه ، وكيف يخطر ذلك ببالي وقد كنت واحداً من أفراده المرابطين أثناء خدمتي العسكرية في سلاح حرس الحدود ، و لازلت أعتبر نفسي مقاتلاً ( حقيقياً ) في هذا الوطن . و لم و لن أفرّ منه ابداً مهما جري . كما أنني اليوم لا أهدف إلا لغرس بذور المعرفة في أرضنا القاحلة ، عساها تُنبت يوماً و تُثمر . . و لو في مُقبل الأيام . ثانياً : ترديد الأكاذيب عني لخداع الجهلة و البسطاء ، لن يُغني عن الحق شيئاً و لن يؤثر سلباً مثلما يتوهّم المخادعون . فمثلاً ، هذا المسكين الذي كتب مساء أمس دون مناسبة ، أنني سرقت رواية عزازيل من قصة وعظية لقسيس إنجليزي عاش في منتصف القرن التاسع عشر ، و أورد في ختام مقالته التعيسة أسماء مراجع لا صلة لها بالموضوع ، ليتخيل القارئ أنه يقرأ كلاماً علمياً ! هو مجرد شخصٍ كذابٍ أشر . . فأنا لم اقرأ أصلا قصة الواعظ الإنجليزي ، و لو كانت روايتي مسروقة من كاتب إنجليزي لما كانت قد تُرجمت إلى قرابة ثلاثين لغة و كتبت عنها كبريات الصحف الإنجليزية مادحةً إبداعها الأدبي ، و لما كانت ترجمتها الإنجليزية قد حصلت علي جائزتين أدبيتين في إنجلترا ، و لما كان قرابة أربعين باحثاً في أنحاء العالم يُعدّون عنها اليوم رسائل الماجستير و الدكتوراة ، منها مانوقش فعلاً و منها ما هو قيد الإعداد حالياً . . و كذلك ، ذاك المسكين الذي كتب عني أنني "صهيوني" لأنني دعوت الناس إلى فهم القضية الفلسطينية علي نحوٍ رشيد ، بعيداً عن خرافات القداسة التي تم ترويجها عن قبة الصخرة و المسجد الأقصى ، عسانا نجد بذلك حلاً لهذه المشكلة المصطنعة التي أودت بحياة آلاف الأبرياء ، لخدمة بعض الحكام و الأثرياء . هذا الشخص طنطن و بغبغ من دون أن يرد على سطرٍ واحدٍ مما كتبته في الفصل الأول من كتابي "شجون تراثية" و لا أظن أن بمقدوره الرد ، لأن أهل التهليل ليس باستطاعتهم القراءة أو الفهم أو الكتابة التي تستحق القراءة . . و عموماً ، هذه التهويمات الخادعة لا علاقة لها بما نتحدث فيه الآن من التحريف في جلسة التثقيف ، و إنما هي مخادعات إعلامية رخيصة لإثارة معتادي التسطيح و التجريح ، و إعاقة قدرتهم على الفهم لأن جهلهم مفيد لحفنة من المستفيدين . ثالثاً : الصديق الذي نشر أمس مقالة غير عدائية ، اتّهمني فيها بلطفٍ بأنني أفتقد اللياقة السياسية . . أهمس في أذنه بأنها تهمة لن أنفيها ، فحين يتعلق الأمر بالمعرفة وهي يا صديقي طوق النجاة الوحيد الباقي أمامنا للخروج من المأزق التاريخي الذي نمرُّ به ، فهنا لا مجال للمجاملة أو اللياقة ( التي هي وصف مهذب للمخادعة ) وتابع في منشور آخر :« الأخُ الفاضلُ الحبيبُ الجفريُّ كتب بالامس مقالاً ردّ فيه على ملاحظاتي التي أوردتها على كلامه ، فبدأ بالاعتراف بأنه قد سها فذكر اسم "بيبرس" بطريق الخطأ ، دون قصد . و لا بأس في ذلك ، فجلّ من لا يسهو . لكنه ختم كلامه بما يعرف أنه لا يصحّ منه ، إذ ألمح إلى إنكاري للقداسة الوهمية للمبني الأموي المخادع الذي بناه عبد الملك ابن مروان ، وهو الرجل الذي اشترك في هدم الكعبة ذاتها مرتين ، مرةً وهو أمير و الأخرى وهو خليفة ! و ليت الحبيب الجفري اكتفي بهذا الإلماح المُقحم علي سياق المسألة ، و إنما قرن ذلك بقوله إننا نعيش زمن الفتنة . . و هذا يا أخي الهادئ الحبيب لا يجوز منك ، فالفنتة ابنة الخرافات و المخادعات و اللعب علي المشاعر العمومية للبسطاء و السُّذج من الناس ، و لا علاج لها إلا بالاستنارة ! هذا ما نعرفه من تجارب الأمم السابقة ، و من الواقع المعيش ، و من الآثار الباقية عن القرون الخالية» . واستطرد :« وما بين البداية الموفّقة و النهاية التي جانبت التوفيق ، نصحني الأخ الحبيب الجفري في ردّه عليّ ، بكتابٍ أورد اسمه سهواً بشكل خاطئ و لم يفصح عن اسم مؤلفه . و لا بأس ، فجلّ من لا يسهو . عموماً ، عنوان الكتاب هو " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" وهو لابن فضل الله العُمري ، و قد حققتُ منه قبل سنوات جزئين من جملة أجزائه التي تزيد عن عشرين ، و كان من المفترض أن يقوم بنشرهما مع بقية أجزاء الكتاب " المجمع الثقافي بأبو ظبي" ثم جرى ما لا أحب أن أحكيه هنا ، فلا تظن خيراً و لا تسأل عن الخبر . . و قد عدتُ في بعض مؤلفاتي المبكرة لمخطوطة هذه الكتاب ، لأسباب بحثية خاصة و ليس لقيمته التاريخية» . ومضى بالقول :« عموماً ، حين تنصحني يا أخي الحبيب الجفري بمرجع أو مصدر تاريخي ، لا يصح أن يكون لابن فضل الله العمري ، و إنما لمن هم من المؤرخين القدماء في طبقة الذهبي ( شمس الدين محمد بن قايماز ) و أظنك تعرف السبب . و إذا التقينا مستقبلاً ، أو جئت أيها الأخ الحبيب لحضور إحدى محاضراتي مثلما كنت تفعل سابقاً ( و كان هذا بالطبع فضلٌ منك ) فسوف أخبرك بالسبب الذي دعا ابن فضل الله العمري لتأليف كتابه هذا ، و لماذا لا يصح منك النصح به ، أو الاقتباس منه» . واختتم كلامه قائلًا :« أما مواجهة المغول ( التتار ) الحقيقية ، فلم تكن أيها الأخ الحبيب بالجيوش ، و إنما بالتصوف . . و بالحب . . و بالمعرفة».