ألتراس أبو إسماعيل منذ شهور نشبت خصومة شخصية بين المفتى وأحد الدعاة المشهورين ألجأت المفتى للقضاء.. وأثناء نظر القضية فوجئنا بالآلاف من الشباب أنصار هذا الداعية يحتشدون أمام دار القضاء وهتافاتهم تتصاعد إلى عنان السماء مناصرة للشيخ المذكور وشكلت ضغطا مفزعا على القضاة.. وقد أنقذ المفتى الموقف بالتنازل عن القضية مخلصًا للقضاة من حرج الموقف. تذكرت هذا الموقف غير المسئول وأنا أشاهد هذه الجموع المحتشدة أمام دار القضاء فى انتظار حكم المحكمة فى قضية جنسية والدة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وهم يهتفون هتافاتهم الصاخبة المشحونة بالتهديد والوعيد. لقد استشعرت المحكمة التى كانت تنظر فى قضية المهندس خيرت الشاطر فى نفس الوقت حرجًا من الحكم فى هذا الجو المفعم بالإرهاب وتنحت عن نظرها – رغم أن هذا الحشد لم يكن موجها لها – بينما ظلت المحكمة الأخرى تؤجل وتتلكأ مؤملة أن يمل الحشد الوقوف فينصرف حتى تحكم فى جو من الحرية وبعيدا عن شبهة الاتهام بالتأثر بهذا الحشد، ولكن الحشود كانت تزداد مما اضطرها للحكم فى مثل هذه الظروف.. ولم تلبث لجنة الأحزاب وقد شهدت تلك الأحداث أن أعلنت أنها لن تلتزم بهذا الحكم لتعود الحشود للانتقال إلى لجنة الانتخابات. والعجيب أننا لم نر الشيخ مستنكرًا لهذا المشهد السخيف وهو رجل القانون الذى يعلم أنه لا يجوز الضغط على القضاة أو ترويعهم ليحكموا بما نريد وإن كنا أصحاب الحق.. كيف وهو الذى لجأ بنفسه للقضاء طالبا إنصافه فى موقفه.. بل والأعجب أننا لم نجد من يحاول إفهام هذا الشباب من أصحاب الفضيلة أن هناك فارقا كبيرا بين التظاهر ضد السلطة الظالمة الجائرة وبين القضاة الموكلين بالفصل بين الناس بالعدل.. ما أيسر أن يقول العالم كلمة الحق فى وجه السلطان الجائر خاصة فى هذه الأيام.. ولكن الصعب هو أن يقولها فى وجه الناس الذين يرون أنهم يملكون الحق فيتهم فى دينه وعرضه.. ولكنى سأقولها ولوجه الله إننى أحب الشيخ حازم وأسأل الله أن يرزقنا وإياه الجنة لذا فإننى أتمنى أن يتنازل بعد هذا الجهد الكبير عن هذا الترشح لرئاسة الجمهورية فإننى أرى الناس قد فتنوا به ولربما يجىء الوقت الذى لا يستطيع أن يخالفهم فيه لما يعتقد أنه صواب وأن ينشغل بمخاطبتهم بما يحبون فيهلك ويهلكون وقد أهلك عبد الناصر نفسه وبلده بسبب انشغاله بإشباع رغبات العامة وانشغال العامة بالهتاف له. البلاد تحتاج إلى رئيس وليس إلى زعيم.. البلد يصلحها رئيس خادم للناس يسعى فى حوائجهم وينقدونه ويخلعونه إن أرادوا دون تقديس ولا إجلال.. ولا يصلحها زعيم يهتف له الناس ويحملونه على الأعناق ويضفون عليه العصمة والقداسة. أعرف أننى أقف فى وجه التيار أو قل الطوفان، ولكننى أتمثل نظرة الفاروق الثاقبة وقد بادر إلى عزل خالد بن الوليد بمجرد توليه، وهو فى أوج انتصاراته ومجده العظيم، وقال لقد خشيت أن يفتتن الناس به وهى أمانة لا ينبغى أن يتصدى لها إلا القادر عليها. عمر سليمان أدركت الآن وأنا أشاهد عمر سليمان يقدم أوراق ترشيحه لرئاسة الجمهورية فى موكب رسمى مهول لماذا لم يقدم عمر سليمان إلى القضاء رغم مرور هذا الوقت الطويل، بينما هو أشد رجال مبارك إجراما وأكثرهم إجحافا بحق الشعب.. أدركت لأى شىء ادخروه حتى الآن. والحق أننى لم أقلق لذلك فالله الذى حمى الثورة وكلأها برعايته ماكان ليتخلى عن شعبها وضحاياها وشهدائها والشعب الذى ضحى وبذل سيخزيه – إن شاء الله - كما أخزى سيده ولن يسمح بإعادة استنساخ الطاغوت السابق وسيحمى صناديق الانتخاب إن حاولوا أن يزوروها لصالحه. بل إنى لأحسب أن الله قد ابتلانا به لنفيق من غفوتنا ونستعيد روح التحرير الأولى اجتماع الكلمة ووحدة الصف وإنكار الذات وروح العطاء والتضحية.. ابتلانا به لنستشعر الخطر فنبادر لاستجماع الجهود للتصدى له ولندرك أن الثورة لايزال أمامها مشوار طويل يحتاج لجهدنا جميعًا وإلا سرقت منا وضاعت دماء شهدائنا وأرواحهم سدى. هى فرصة جديدة أتاحها الله لنا فينبغى أن نحرص على ألا نفوتها. لجنة إعداد الدستور أحسنت المحكمة صنعًا بحكمها إعادة اختيار لجنة إعداد الدستور.. لقد تحول اختيار تلك اللجنة إلى سبب للمزيد من التمزق والنزاع.. الأغلبية تريد أن ترسخ حقها فى أن تقرر ما تشاء وعلى الأقلية أن تستسلم لذلك والأقلية ترى فى فعل الأغلبية غمطا لحقوقهم وحرمانا لهم من المشاركة وكلهم يرى لنفسه الحق ولغيره الباطل.. ثم حكمت المحكمة حكمها.. ورغم أننى بمعلوماتى البسيطة فى القانون ومتابعاتى أشعر بدخول السياسة فى الحكم إلا أننى استرحت كثيرا لهذا الحكم وأملت أن الله يكون قد أجراه لنعيد النظر فى سياستنا تجاه الآخر. فالأغلبية صاحبة حق لكنها أيضًا عليها تجاه الأقلية واجب وهو أن يتسع لها صدرها وتسعى فى احتوائها والحصول على ثقتها حتى لا تشعر بالاضطهاد فتشارك الأغلبية فى بناء الوطن بدلا من استهلاك الوقت والجهد فى الشغب عليهم.