إن دور المعلم ليس قاصرًا على النقل المعرفي، بل إن دوره كبير جدًا ويتخطى ذلك بمراحل. فالمعلم يلعب دورًا ثقافيًا وتنمويًا واجتماعيًا وتحفيزيًا وإنسانيًا، فهو صانع نهضة الأمم، ومربي الأجيال، ومكتشف المواهب، وحامي ثغور النفس، وساقي نبتة النشء ومُتعهدها حتى يصلب عودها لتقاوم تقلبات الزمان . المعلم هو امتداد أصيل لمقاصد الرسائل السماويّة والإنسانية ويكفيه فخراً قول النبي (صلى الله عليه وسلم) :"إنما بُعِثْتُ مُعَلِّمًا" . ولكل إنسان في حياته ذكريات، وفي طريقه تحديات وصعوبات، وفي أيّامه ولياليه شخصيات، شخصيات شجعت، وأخرى أحبطت. وتنبيهًا من والدي رحمه الله من أحسن ما أسداه إليّ يومًا، (لا تنس الجميل، وردّ ما استطعت).. فأعتقد في نفسي أن الوقت قد حان كي أرد بعض ما قدمه إليّ أستاذان فاضلان، كان لهما عُمق الأثر في مسيرتي المتواضعة، هذان الأستاذان، دورهما في حياتي عظيم للغاية، وأفعالهما معي يصعب حصرها، فهما في عُمق قلبي وفؤادي مهما طالت الأيّام، فبعض مما أنا فيه، هو زرعهم وغرسهم ودعمهم وصبرهم.. الأستاذان هما: عادل حامد رسلان، مدرس الرياضيات في المرحلة الإعدادية، وشريف رمضان، مدرس اللغة الفرنسيّة في المرحلة الثانوية. ولكل دوره في هذه المرحلة الخطيرة التي تعتبر مفرق الطرق في حياة كل شاب . الأستاذ عادل حامد، برز دوره معي في مرحلتي الإعدادية والثانوية، سنوات قضيتها معه وقضاها معي، مساندًا قوياً، وداعمًا سخياً، ومُشجعًا صابرًا، ومقومًا فطناً . كان يعلم قِصر اليد، فما بخل بوقته أو انتظر مقابلًا بل كفلني بوده، وغمرني بكرمه كأخ صغير يرى فيه شيئًا ما.. فشكرًا لك يا أستاذي على ما فعلته معي ومع غيري، وفضلك عليّ، وأثر سعيك في تكويني النفسي والتربوي أتى أكله بفضل الله .. وعذرًا، فكلماتي تقصر في حقك. فشكرًا لك يا أستاذ عادل، علمتني الكفاح والعطاء وعلو الهمة دون مقابل . وأستاذي الأخر هو الأستاذ شريف رمضان، مدرس اللغة الفرنسية، نعم كان أستاذي في الثانوية العامة، لم يكن أستاذًا لي في المدرسة، فهو حينها كان طالبًا في الجامعة، جمعني القدر به، وكان نِعم القدر والرزق، فمعرفتي به، كانت نقلة نوعيّة في حياتي، نقلة على مستوى التكوين الثقافي والاجتماعي والمعرفي أيضًا. وفّر لي الوقت، وسخر لي نفسه وغرفته للمدارسة، بذل هذا الجهد معي دون ابتغاء مقابل ولا حتى كلمة شكر. كان يعلم أنني لا أذهب للدروس الخصوصية، ومعتمد على الله ثم على مجهودي الفردي، ليال طوال قضيناها معًا، علمني كل شئ في اللغة الفرنسية، حتى أنني كنت أتحدثها معه حينها بطلاقة، كان حريصًا عليّ، موجهًا، مربيًا، مثقفًا، فيكفي أنه من اكتشف ملامح موهبتي الأدبية في فن "القصة"، ولا أنسى أول قصة كتبتها في حياتي، وهو أول من صوبها وعدلها، شجعني على خوض الغِمار، وألا أخشى الطريق، قال لي ما نصه :" فترة الجامعة دي عايزك تكون دودة في قلب المكتبة، متخليش سنين تعدي من غير ما تبني نفسك عقليا وثقافيًا". فشكرًا لك يا أستاذ شريف، ربيتني على المغامرة والطموح والمطالعة والمثابرة. وختامًا أقول لهما اعترافاً بالجميل وتقديراً للجهد: لو كان الأمر بيدي ما فارقت ظِلكما على أثر رعايتكما لي، فرغم أنني لا يجمعني بكما قرابة، ولكن قرابة الأرواح والأفعال هي خير وأبقى. هذا شئ يسير للغاية في حقكما وفضلكما عليّ، فكيف أختزل سنوات في مقالة واحدة! بالأمس كنتما أساتذتي واليوم وغدًا وطيلة أيامي إلى يوم نلقى فيه الله ستظلون تيجانًا فوق رأسي، وأوسمة على صدري، وفخرًا دائمًا وأبداً، وقدوة لي في العطاء والسعي والاجتهاد.. فشكرًا لكما.