كثر الكلام فى الآونة الأخيرة على اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية، يكون ملهمًا محدثًا ذا كفاءة وقدرة فى مسائل الحكم وخبرات سياسية هائلة، والبعض يضع شروطًا، والآخر يحلل نفسية وشخصية كل مرشح، وهذا توافقى وذاك صدامى أو قليل الخبرة فى العمل السياسى، حتى خاض فى عملية التقييم هذه أناس لا يتجاوزون مرحلة الطفولة السياسية بمناسبة وجودهم فى هيئة حزب أو غيره مثلا، وكأننا لم نتعلم الدرس، أو لأننا نشأنا فى زمن القمع والاستبداد، فصرنا مترعين بهذه الأفكار والتوجهات غير واعين ولا مدركين لما حولنا من متغيرات وأن الدولة الحديثة الفتية القوية هى دولة المؤسسات، وليست دولة الفرد الذى سرعان ما يسرى الاستبداد فى نفسه كما يجرى الدم فى عروقه، إن الثورة المصرية – التى غاب عنها كثير من هؤلاء الشيوخ – قامت للقضاء على حكم الفرد واستبداله بدولة المؤسسات التى تكون فيها مؤسسة الرئاسة – مع أهميتها – إحدى مؤسسات الحكم، وليست هى كل شىء حتى لو كان النظام المطبق هو النظام الرئاسى فى أجلى معانيه، كما هو موجود فى أمريكا مثلا، ولكن تبقى كل مؤسسات الحكم فى الدولة متمتعة بصلاحيات تمنع من الاستبداد والتسلط، فالسلطة تدفع السلطة ومبدأ الفصل بين السلطات، هذا لم يكن ترفًا ذهنيًا من فلاسفة النظم السياسية الحديثة، وإنما كان بعد تجارب مريرة مع الاستبداد والقمع عانت منها أكثرية الدول، نحن نحتاج إلى مؤسسة رئاسة قوية، لكنها ليست وحدها هى التى تحكم وإنما معها برلمان قوى كذلك وقضاء مستقل وهذا دور واضعى الدستور الجديد الذى ينبغى أن يكون معبرًا عن آمال وطموحات المصريين بعد الثورة بحق، بدلاً من التركيز على مؤسسة الرئاسة وحدها أو القول إن هذا هو الذى سيطبق الشريعة مثلاً لأنه لا يوجد فى العالم – الآن – مؤسسة واحدة، فضلا عن فرد واحد يستطيع إدارة الدولة إلا فى الدول الفاشلة والمتخلفة، أما الدول المتقدمة أو التى تريد أن تكون كذلك، فلا مجال فيها لحكم الفرد، ومن ثم فلا داعى للمبالغات ووضع الشروط المطلقة والنسبية لاختيار الرئيس، لأنه لن يكون وحده إذا وعينا الدرس فى وضع الدستور، وتجنبنا إنتاج ديكتاتور جديد وأوجدنا مشاريع للحياة حقيقية، لأن الشعب المصرى صار متأهبًا لإسقاط حكم الفرد ومن يكرسون له فى أى وقت مهما كلفه ذلك من تضحيات، وسوف أضرب مثالاً أختم به حديثى يبين أهمية قيام دولة المؤسسات السياسية فى مصر، عندما اختار الشعب الأمريكى رونالد ريجان رئيسًا له عام 1980، قالوا عنه إنه ممثل مغمور – كومبارس – وسياسى من الدرجة الرابعة، ولكن لأنها دولة المؤسسات القوية، ما الذى حدث فى عهد ريجان؟ هل انهارت أمريكا مثلاً؟، لا، بل على العكس من ذلك، فقد عملت المخابرات الأمريكية على انهيار الاتحاد السوفيتى حتى تقوضت دولته وانهار تمامًا بعد ذلك بقليل وبقيت أمريكا دولة المؤسسات القوية، ليتنا نتعلم الدرس ونتوقف عن التكريس للاستبداد وإعادة إنتاج دكتاتور جديد سيطيح أول ما يطيح برءوس هؤلاء الشيوخ الذين يكرسون بالليل والنهار لإنتاج مستبد جديد نتيجة للصراع المحتدم فى أن يكون كل واحد منهم – جماعات أو أفرادًا – هو مرجعية ذلك الرئيس المنتظر وإيجاد ولاية فقيه سنية غير منصوص عليها فى الدستور المصرى الجديد، وإنما تكون من وراء حجاب.