واليوم اعتذار على يد محضر إلى نزار، ليسلمه بدوره إلى أبى تمام مطرب (عمورية) فمن أمثال الشعر العربية الصادقة والمنذرة، قولهم: إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ، وحين تكون شيمة البرلمان الذى اختاره الناس بعد صبر ستين سنة، الجدال والمكلمة، فلا عجب أن نرى الجدال حولنا فى كل مكان، وكانت (المذيع) مهنة، ثم صارت مهنة من لا مهنة له، حينما أصبح الجميع (عبده مشتاق)، ثم صرنا إلى زمان أصبح الناس كلهم خبراء إستراتيجيين ومحللين سياسيين وأصحاب صوت عالٍ، ومعها أصبح عدد جملة الضيوف أكثر من عدد جملة مشاكل مصر. فى الأسبوع الماضى طلب منى أكثر من خمسة أشخاص عاديين جدًا أن أساعدهم فى التواصل تليفونيا مع عدد من البرامج، وفى كل مرة أسأل لماذا؟ فيقول لى السائل: لأن لدى وجهة نظر أريد أن أطرحها، وعندى كلام مهم. وأنا ليس لدى اعتراض مطلقًا مع رغبة كل فرد فى التعليق والكلام والنقد والتحليل، فذلك أمر غير يسير، ولكنه يشير إلى زيادة معدل الوعى السياسى، بل أنا أرى بعض التعليقات الكريمة على مقالى تدل على وعى سياسى وصياغة لغوية أرقى من كلامى المتواضع، ومقالى الفقير. البرلمان لم يقدم غير شيئين لا ثالث لهما حتى اليوم، كلام ثم لجنة تقصى حقائق يعنى كلامًا، ثم دخلنا فى نفق الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فلم نغادر الكلام، ولم نجد تشريعًا، ولا نظرة لغد نرجوه أفضل، ويا ليتنا لم نغادر أماكننا بل المصيبة أننا كل يوم ننزل درجة، ونرجع خطوة، ونمسك فى العراك ونستمسك بالشقاق، حتى كادت مصر أن تترك عصر الفرعون، لتدخل عصر (الحجّاج)، فكل يوم مفاجأة، وكل يوم أغنى لنفسى: ماذا سيولد يوم تولد يا غدى؟ فأفيق على خبر جديد، وفى مصر كل يوم جديد وغريب، حتى لتشعر أن هناك من يريد أن نبقى فى الدوامة أو (مرجيحة) على رأى أغنية التوك توك: (زى المرجيحة يوم تحت ويوم فوق، وأنا ماشى بتمرجح فيها من تحت لفوق) كل يوم نصرخ (مصر ترجع إلى الخلف) ولا نكاد يسمعنا أحد، بل فى الحقيقة أننا لا نسمع أنفسنا، ونتمسك بالبقاء فى خانات الجدل وحانات الرغى الفضائى المسمى أثيرًا مباشرًا وطنينًا هادرًا، حتى أصبحنا فى زمن الجدل، فما رأيكم - قل جدلكم وانتهى جدالكم، وارتقى حديثكم- لو سمحتوا لى فى هذه الجمعة أن أذكر شيخ جلادى الذات العربية فى عصرنا الحديث (نزار قبانى) وهو يعتذر للشاعر الذى كان يتنقل فى الحدائق والأسواق حاملاً كاميرا، تنتج قصائد مصورة. ويقول نزار: أحبائى / إذا كنا سنبقى أيها السادة / ليوم الدين.. مختلفين حول كتابة الهمزة / وحول قصيدة نسبت إلى عمرو بن كلثوم / إذا كنا سنقرأ مرة أخرى/ قصائدنا التى كنا قرأناها / ونمضغ مرة أخرى / حروف النصب والجر.. التى كنا مضغناها / إذا كنا سنكذب مرة أخرى / ونخدع مرة أخرى الجماهير التى كنا خدعناها / ونُرعد مرة أخرى، ولا مطرُ / سأجمع كل أوراقى وأعتذرُ / أبا تمام، دار الشعر دورته / وثار اللفظ والقاموس / ثار البدو والحضرُ/ ومل البحرُ زرقتَه / ومل جذوعَه الشجرُ / ونحن هنا / كأهل الكهف.. لا علم ولا خبرُ / فلا ثوارنا ثاروا / ولا شعراؤنا شعروا / أبا تمام : لا تقرأ قصائدنا / فكل قصورنا ورقٌ / وكل دموعنا حجرُ. وألقاكم أمس، أقصد غدا الذى هو كالأمس، حتى إشعار آخر بفعل من حروف العرق، لا حروف الأبجدية. [email protected]