تعالوا نتفقْ على قواسم مشتركة أولية بين القوى الوطنية جميعًا فيما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية التى أصبحت على الأبواب ، وأولها وأعلاها أن يكون الجميع صفًّا واحدًا فى مواجهة كل ما يمثل النظام القديم أو ينتمى إلى النظام القديم ، وأن يكون هذا خطًّا أحمر لا يجوز وطنيًّا ولا أخلاقيًّا لأى قوة أن تتجاوزه ، مهما كان "الغزل" السياسى الذى يقدمه هذا المرشح أو ذاك لذلك الفصيل الوطنى أو ذاك ، ومهما كان الخلاف الفكرى بين القوى الوطنية ، وعلى سبيل المثال فأنا أختلف مع حمدين صبَاحى فى رؤيته الفكرية وانتمائه السياسى ، ولكن إذا افترضنا أن السباق الانتخابى جدلاً انحصر بينه وبين أحمد شفيق فسوف أعطى صوتى لحمدين صباحى بدون أدنى تردُّد ، بل سوف أحشد مَن أستطيع خلفه ، وإذا افترضنا أن السباق انحصر فى النهاية بين المستشار البسطويسى وبين عمرو موسى فسوف أعطى صوتى مباشرة للمستشار البسطويسى ، بل إذا افترضنا جدلاً أن السباق الانتخابى انحصر بين الناشطة المثيرة للجدل بثينة كامل وبين عمر سليمان ، فى حال وصول الاثنين ، فإنى أعطى صوتى مباشرة لبثينة كامل ، على الرغم من أى خلاف فكرى أو سياسى أو أى قواعد أخرى تمنع من ذلك ؛ لأن حساب المصالح والمفاسد التى تواجه الوطن تجعلنى مباشرة أمام هذا الاختيار بدون أدنى تردُّد ، وبطبيعة الحال إذا انحصر السباق بين حازم أبو إسماعيل أو عبد المنعم أبو الفتوح مثلاً وعمرو موسى أو شفيق فإن الأمانة والالتزام الوطنى يحتّم على الجميع أن يصطفّوا وراء حازم أو أبو الفتوح ، مهما كان الخلاف معهما من هذه القوة أو تلك . قضية مصر الآن ليست "اسم" مَن يفوز ، وإنما "رمزية" مَن يفوز ، مصر الآن فى حاجة ماسّة إلى انتزاع مقعد رئاسة الجمهورية لأول مرة فى تاريخها من "النظام القديم" ؛ لتتسلم راية التحوُّل الجديد قُوى جديدة ليست نابعة من ذلك النظام ومن ثم أكون ضامنًا أنها لن تعيد إنتاج النظام القديم بكل حساباته ومؤسساته وفلسفته السياسية العقيمة ؛ لأن القيادة الجديدة التى تأتى من خارج إطار هذا النظام القديم سوف تكون أكثر تأهيلاً لصياغة نظام سياسى جديد ، وسوف تكون أكثر استعصاءً على الاحتواء من "مؤسسات" النظام القديم ، وسوف تكون أكثر قدرة على التحرر من ضغطه ومن إغوائه ، كما أنها ستكون أكثر ولاءً للقوى الشعبية والوطنية والثورية الجديدة التى تتطلع إلى مصر جديدة ، ينعم أبناؤها بالحرية والكرامة والعدل ويشعرون بمعنى المواطنة ومعنى المشاركة ومعنى "الوطن" ، والحقيقة أن أخطر ما يواجه القوى الوطنية الجديدة الآن أن تقع فى "أسْر" خطاب دغدغة المشاعر الذى يحاول استخدامه بعض المرشحين المنتسبين بدرجة أو أخرى إلى النظام القديم ، حيث يحاول بعضهم أن يغازل الجانب الإسلامى بحديثه عن الشريعة الإسلامية وكلامه الشاعرى "المصطنع" عن الهوية الإسلامية لمصر ، بينما يحاول البعض الآخر أن يغازل القوى الليبرالية واليسارية باصطناع تهديدات "فشنك" موجهة إلى "العسكرى" أو حديثه عن أن أحدًا لن يفلت من المحاكمة والحساب وأن سيف العدالة سيطول أى شخص مهما علا . باختصار ، رئيس الجمهورية الذى سيأتى بقوة دفع شعبى سيكون ولاؤه لهذا الشعب ، ورئيس الجمهورية الذى سيأتى بقوة دفع واستقطاب النظام القديم سيكون ولاؤه لذلك النظام القديم وضد الشعب ، وسيعيد إنتاج كل سوءات النظام القديم ومؤسسات قمعه واستبداده ، فحذارِ من الانخداع ، وحذارِ من الاستغراق فى تنازع أيديولوجى ليس وقته الآن وليست هذه مرحلته ، مشكلة مصر لم تكن أبدًا فى الاختلاف أو التنوُّع الفكرى والدينى والأيديولوجى ، فمثل هذه الصراعات كانت وليدة عفن الركود السياسى والإنسانى ، وإنما مشكلة مصر والمصريين كانت دائمًا مع الاستبداد والتهميش والهيمنة الأمنية والفِرعونية السياسية الشهيرة: "ما أُريكم إلا ما أَرى" . [email protected]