يوما بعد يوم يتزايد عويل العلمانيين ويعلو نحيبهم وباتت جنائزهم شبه دائمة، فمع كل اختبار ديمقراطى يكتشفون انفضاض الناس عن مشروعهم وعزوفهم عنهم.. اكتشفوا ذلك فى الاستفتاء على الإعلان الدستورى ثم تأكدوا فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة وبين هذا وذاك اكتشفوه فى محاولات تنظيم مليونيات فبدى الميدان "ميدان التحرير" خاويًا.. لكنهم يصرون فى كل مناسبة على تلبيس فشلهم وسقوطهم الشعبى للتيار الإسلامى بدلاً من مراجعة مواقفهم. والمسألة ليست خلافًا على تشكيل "لجنة صياغة الدستور"، ولكنه خلاف تاريخى بين التيارين: "الإسلامى" بمختلف فصائله و"العلمانى" بشتى درجاته، والسجل فى هذا المقام حافل بسلسة طويلة من الإقصاء والتحريض والتضليل وانتهاك حقوق الإنسان التى عانى منها الإسلاميون طوال فترات الحكم التى مرت على مصر. فالتاريخ شاهد على عقد غير مكتوب بين التيار العلمانى وخاصة المتطرف وأنظمة الحكم ليخدم كل منهما على الآخر.. نظام الحكم يحكم بالجبروت والتزوير والنهب والتيار العلمانى تم تمليكه معظم وسائل الإعلام والتوجيه والتثقيف لتشكيل الرأى العام نحو تأييد ذلك الحكم وكبش الفداء كان دائمًا التيار الإسلامى. إنه صراع بين تيارين أى بين مشروعين بل معتقدين ولم أتذكر يومًا أن توافقًا له قيمة حدث بينهما. فى عهد مبارك تشكلت جبهات وجمعيات شارك فيها إسلاميون وعلمانيون ولكنها كانت سرعان ما تنفض بعد فترة وجيزة إما بضغوط من السلطة أو إغراءات لأولئك العلمانيين من يساريين وليبراليين لفض ذلك التجمع تفويتًا للفرصة على الإسلاميين أن يتواجدوا - ولو مؤقتا - فى كيان معترف به من الدولة ولقد روى لى المجاهد إبراهيم شكرى - يرحمه الله - صاحب التاريخ الوطنى المعروف ورئيس حزب العمل، قصة غضب مبارك منه وفحواها إصرار المهندس إبراهيم شكرى على التحالف مع الإخوان المسلمين ومشاركته مع الإخوان فى كل لجنة وطنية لتصحيح الأوضاع. والمتابع لفعاليات الجنازة العلمانية الدائرة فى مصر احتجاجًا على تشكيل لجنة صياغة الدستور يكتشف بسهولة أن الذى يقودها نفس الفرقة التى كانت ترفع يافطة معارضة مبارك وهى - فى الحقيقة - نفس الآلة الإعلامية التى سمح بتأسيسها جمال مبارك لرجال الأعمال الموالين له وقد انضم إليهم بالطبع الإعلام الرسمى المقروء والمرئى فى حملة غير مسبوقة على اللجنة ومن خلالها على التيار الإسلامى.. فقد أصبحت اللجنة التى شكلها البرلمان بغرفتيه وفق الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس العسكرى أصبحت تلك اللجنة تمثل "نكبة للدستور" وفق جريدة دستور إبراهيم عيسى. وأصبح الدستور ذاته لدى وائل قنديل (فى شروق 22 مارس الماضى) هو "دستور أعداء المبادئ" الذين قرروا اختطاف العملية كلها، ببرلمانها ودستورها وحتى رئيسها.! كما أن عملية انتخاب اللجنة تمت – وفق السيدة منى الشاذلى مقدمة برنامج العاشرة مساء - عبر "الورقة الدوارة" وهى إحدى أشهر وسائل تزوير انتخابات البرلمان فى عهد مبارك أى أن الإخوان يستخدمون اليوم نفس وسائل الحزب الوطنى فى التزوير ليقفزوا على السلطة - أى أنهم - أى أن الإخوان يحلون محل الحزب الوطنى بكل سوءاته وموباقاته وهذا ما تلح منى الشاذلى فى برنامجها عليه بصور مختلفة وفى كل مناسبة لتقف بغمزاتها ولمزاتها الدائمة فى مقدمة صفوف حملة التضليل ضد الإخوان والتيار الإسلامى لصالح التيار العلمانى. وبينما واصل النائب أبو العز الحريرى تشكيكه فى البرلمان الذى هو عضو واصفًا التشكيل الذى خرجت به الجمعية التأسيسية بالظلامى والطائفى ومتهمًا الإخوان بعقد صفة مع المجلس العسكرى وفلول مبارك!.. يكمل رفيقه اللدود د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليسارى وهو رجل عريق فى شيوعيته وعريق فى الحرب على التيار الإسلامى وعريق أيضا فى السقوط المدوى سواء على مستوى الانتخابات حيث لم يحصل حزبه على رجل كرسى فى البرلمان، أقول يكمل الوصلة على قناة النيل للأخبار باتهام حسن مالك بتشكيل جمعية جديدة لرجال الأعمال وليس للفقراء ليكمل امتصاص الإخوان لما بقى من دماء الشعب المصرى التى امتص معظمها الحزب الوطنى!. وفى ساحة محكمة القضاء الإدارى يوم الثلاثاء، 26 مارس احتشدت مجموعة من رجال التيار العلمانى ليخوضوا معركة قضائية لإسقاط "اللجنة " وبرز فى مقدمتهم د. شوقى السيد أشهر ترزية قوانين مبارك ومرتضى منصور المتهم فى قضية "الجمل" ود. يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء المخلوع!. ترى ما ذا لو تم فض لجنة إعداد الدستور وتمت دعوة البرلمان لانتخاب لجنة كاملة من خارجه أو صدر قرار بانتخاب أعضاء تلك اللجنة من قبل الشعب هل سيرضون بالنتيجة؟.. بالطبع لن يرضوا وحتى لو لم يكن هناك دستور ولا لجنة.. لن يرضيهم إلا الغياب التام للإسلاميين عن الساحة ولن يشبعهم إلا حكم مصر، وذلك لن يحدث " حتى يلج الجمل فى سم الخياط".. فعهدهم يولى رويدًَا رويدًا.