يصعب على أى من الإخوان فتح ملف "التكويش" على المواقع والمناصب داخل الجماعة، وفى مؤسسات الحكم، أو توجيه الانتقادات للمسئولين عن ذلك، لكن الأمانة تقتضى أن نرفع النقاب عن ذلك، دون تخوين من أحد أو تشنج. ملف "التكويش" يُغيب الكثير من الكفاءات ويهدر طاقات ضخمة تتمتع بها الجماعة على كافة مستوياتها، فضلا عما يحمله من بذور فشل فى حال إسناد أكثر من موقع تنظيمى وإدارى وبرلمانى وحكومى لشخصية واحدة، وكأن "الإخوان" عقمت أن تنجب مثل هؤلاء، أو أن الصف ليس به من يضطلع بهذه المسئوليات. السطور السابقة تكشف إلى حد كبير أسباب تراجع الإخوان فى انتخابات نقابات المحامين الفرعية، وتكبدهم خسارة فادحة من المفترض أن تكون محل "تحقيق" داخل الجماعة، وفى هذا الصدد أذكر ثلاثة نماذج لما ذكرته سابقًا – ربما تميط اللثام عن بعض أسباب الخسارة. القيادى الإخوانى محمد طوسون مسئول ملف المحامين على مستوى الجمهورية، وأمين عام نقابة المحامين، وفى الوقت ذاته نائب مجلس الشورى عن الدائرة الثانية بمحافظة المنيا، وهو أيضًا رئيس لجنة الشئون التشريعية والدستورية بالمجلس، ما يعنى أن أربعة مهام جسام فى يد "طوسون"، وهو الأمر الذى لا يحتاج إلى تعليق، ويبرر الهزيمة القاسية فى انتخابات فرعيات المحامين. أما القيادى الإخوانى صبحى صالح، والذى تكبد خسارة فادحة فى انتخابات نقيب المحامين بالإسكندرية أمام أحد قيادات الوطنى المنحل، فإن أسباب الخسارة لم تنل حقها من تسليط الأضواء، وانشغل الإعلام بالشماتة والتهليل لخسارة رمز إخوانى، دون التطرق إلى حقيقة الموقف وأن خسارة صالح تكشف أزمة داخل الجماعة تتعلق بإسناد أكثر من دور لشخص واحد وكأنه "طرزان". صبحى صالح هو نائب الحرية والعدالة عن دائرة الرمل بمحافظة الإسكندرية، ويشغل فى الوقت ذاته موقع وكيل اللجنة التشريعية بالبرلمان، فضلا عن دوره داخل الجماعة، وبالتالى فمن الإنصاف القول إنه ظلم نفسه، وأضر بالإخوان، حينما رشح نفسه فى انتخابات المحامين دون تفرغ لقيادة النقابة فى المرحلة المقبلة. كما أسقط المحامون أيضًا رمزًا من رموز الجماعة داخل نقابتهم وهو جمال حنفي، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة، لكن هذا الموقع لا يكفى، وكان لابد من الترشح على موقع آخر فى نقابة المحامين الفرعية بجنوب القاهرة، فكانت الهزيمة. ولعل ما يبرر ضعف الأداء البرلمانى للعديد من نواب الإخوان سواء فى دورة 2005، أو فى دورة 2011، إسناد أكثر من مهمة تنظيمية وإدارية وبرلمانية للعضو، والأمثلة كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها، لكنها تكشف أزمة تعانيها الجماعة ربما ورثتها من نظام كان يحكم الوطن طيلة عقود، وهو أمر يجب تلافيه إذا أرادت الجماعة الوصول إلى النجاح، وتوظيف طاقاتها بشكل جيد ومتوازن. أعلم أن الأمر ربما لن يلقى آذانًا صاغية داخل الجماعة، فى ظل وجود حساسية مفرطة لأى نقد يوجه إليها، لكن خطورة "التكويش" أمر يهدد فرص نجاح الجماعة وحزبها فى إدارة مقاليد الأمور فى البلاد.