تقسمُ علومُ الاجتماعِ والسياسةِ والقانونِ الدولةَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: الشعب والأرض والحكومة المنتخَبة من قِبَل الشعب لإصلاح الأرض. وقد حدد الإسلام واجب الحاكم فى أمرين: حراسة الدين وسياسة الدنيا، وقد حافظ الكثير من حكام المسلمين فى الماضى على هذين الواجبين أو الفرضين؛ لأن حكام الماضى كانوا يعلمون أن الحكم أمانة ورسالة وفرض ومَغرم وليس مَغْنماً.. ثم بدأ الانحراف عن هذين الواجبين يتسع شيئًا فشيئًا، ولكن القاسم المشترك الأعظم بين الكثيرين منهم كان حماية الدين وتعمير الدنيا، مع قتْل كل مَن يحاول نزع الحكم من بعضهم! وإذا نظرنا إلى "المماليك" مثلاً فسنجد الكثير منهم يجاهد فى سبيل إعلاء كلمة الحق، ويحافظ على تعمير البلاد. فكان حب المصلحة العامة مقدَّمًا على مصلحتهم الخاصة دائمًا، وكان معظمهم من أصول غير عربية، ولكن حب البلاد مفطورٌ فى قلوبهم وجوارحهم، وبنظرة سريعة وفاحصة إلى المعارك السياسية والفكرية الحالية الدائرة فى بلادنا يبدو لنا الشيخ "توافقي" - فك الله أسْره وأخرجه من كهفه سليماً أو من حِضن أمه أمريكا أو أوروبا - يبدو متصدِّرًا مجالس السياسة والثقافة والأدب وغيرها، فيقولون: نريد مجلساً نيابياً توافقياً وحكومة توافقية ورئيساً توافقياً وجمعية تأسيسية توافقية للدستور، وأخيراً نريد دستوراً توافقياً !، فيا ليتنى كنت شيخاً توافقياً؛ لأكون حديث الجميع! أريد - أيها التوافقيون المحترمون - رئيساً محباً لبلده، رئيسًا ساعيًا لخير بلده، رئيساً متجردًا من شهواته وشبهاته لرفعة بلده، رئيسًا لكل مَن يعيش تحت السماء، وفوق الأرض، وهذا ليس ضرباً من المستحيل، ولست خيالياً، أو حاطب ليل، أو مؤذناً فى مالطة كما يقولون، بل هذا أوان اختيار الرئيس المحب لبلده، الذى يستحق كل خير بعد سنوات الاستعباد والاستبداد التى ذُقنا ويلاتها، حتى حررنا الله وحده، ويجب أن نواجه الاستبداد بتوعية الشعب بحقوقه، ولا نريد رئيسًا غليظ القلب، فظ القول، قاسى القسمات، كارهًا للخيرات، ولا يُؤتى اختيارنا أُكلَه إلا بإذن الله؛ لقوله - تعالى- : "إنَّ اللهَ لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيرُوا ما بأنفسِهِم" .. ألا هل بلَّغتُ، اللهم فاشهَدْ.