الكلمة أمانة كبيرة ، ومسؤولية عظيمة ، ويترتب علي التلفط بها تبعات خطيرة .. ولا يعرف ذلك إلا مَن أدرك قيمة الكلمة ، ووعي أثرها في حياة الأفراد والأمم ، فالكلمة قد تحيي همة ، وتبني أمة ، وعلي النقيض ، فقد تَسقط بها قِمم ، وتهلك بها أمم .. ! ولذا ، عني الإسلام عناية كبيرة بالكلمة ، ووضع لها رقابة صارمة ، ويقظة واعية ، قبل التلفظ بها ، لتكون بناءة لا هدامة ، منضبطة لا سائبة .. كما جاء في قوله تعالي : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق: 18)
وربط النبي صلي الله عليه وسلم ، بين الإيمان والنطق بالكلمة ، لتخرج عن إيمان عميق ، وتفكّر دقيق.. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت .. " (رواه البخاري ومسلم).
وما قامت السموات والأرض إلا بكلمة الحق ، واستقام أمر الدنيا ، وانصلحت أحوال العباد ، إلا بتقوي الله ، والقول السديد ..
وما تسرّب الفساد ، وخُرِّبت البلاد ، إلا بعد أن استهان الناس بأمانة الكلمة ومسؤوليتها .. فكم من فتن قامت ، وكوارث حلّت ، وأحقاد انتشرت ، وخلافات استشرت ، بسبب غِرّ لا يعرف للكلمة قيمة ، ولا لتبعاتها من عواقب وخيمة..!
تُري، كم دفع العالم عامة ، والعالم الإسلامي خاصة ، ثمن حماقات راح ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا، ناهيك عن تخريب البلاد ، وتشتيت مَن بقي من العباد ، من جرّاء كلمة غير مسؤولة ، ومعلومات مغلوطة.. ؟!
تأمّل ، ما اعترف به الرئيس الأمريكي الأسبق في مذكراته ، من خطأ غزوِهِ لدولة ( العراق ) ، وتبعه بالاعتراف بالخطأ حليفه في الحرب الغاشمة الظالمة ، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق !.
وما يموج اليوم في عالمنا الإسلامي ، من قتال ضاري راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء ، غير المشردين في أنحاء البلاد ، تحت مسمّي شعارات مكذوبة ، ومسوّغات مفضوحة ، أصبحت لا تخفي علي أحد ..
حقا ، كم من أمم تفرّقت ، وحروب اشتعلت وما انطفأت .. بسبب كلمة ، وكم من شعوب اتّحدت ، وقلوب ائتلفت ، وصدور انشرحت ، بسبب كلمة !