ينشغل الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات في العالم ببحث سيناريهوات المستقبل على الأرض خاصة في منطقتنا " الشرق الاوسط" التي تعج وتحفل بالصراعات والتنافسات والأحداث . الحديث عن مستقبل المنطقة مرتبط بالحديث عن مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي،والصورة التي عليها الوضع الآن أو على الأقل للسنوات القليلة المقبلة معروف وواضح ، لكن ماذا عن سيناريوهات مستقبل المنطقة بعد 10 سنوات أو 15 عاما بعد الآن ؟ للحديث حول هذا السيناريو لا بد من استحضار عدة حقائق ومتغيرات على الأرض مثل التواجد الأميركي في المنطقة ، ولا يمكن فهم الأهداف الأميركيّة في المنطقة والعالم، إلا بفهم " الأمن الاستراتيجي الأميركي. وهي الاستراتيجيّة التي يعلن فيها الرئيس بوش انتصار قوى الخير والحرّية خلال الصراع الذي دار في القرن الماضي كما يعتقد هذا الرجل اليميني المسيحي المتطرف . وبرؤية بوش فإن تثبيت دور القوة العسكريّة الأميركية في العالم وفي منطقتنا تحديدا يكمن في أربعة مراحل هي الدفاع عن الحلفاء والأصدقاء ، ومنع أيّة منافسة عسكريّة للقوّة الأميركية في المستقبل ، وردع المخاطر التي تهدد القيم الأساسيّة لأميركا ولحلفائها ، والانتصار على أي عدو بسرعة حاسمة إذا ما فشل الردع. لكن . . بعد أن كان " الطغاة" وأنظمتهم غير الديمقراطية هم الأعداء الأساسيين للولايات المتحدة ، دخل لاعب جديد كان هامشيا في وقت مضى، ألا وهو "الارهاب" بعد الحادي عشر سبتمبر . وبموجب ذلك أدخلت الاستراتيجيّة الجديدة مفهوم الحرب الاستباقيّة. ومن خلال هذه الاستراتيجيّة، يضرب بوش بكل الاتفاقات الدوليّة التي قام عليها النظام العالمي السابق عرض الحائط . والولاياتالمتحدة في ظل قيادة بوش عازمة على منع قيام أي منافس لها، على صعيد القوى الكبرى، وستضرب أيّة دولة ترعى أو تموّل الإرهاب. وستلاحق " الإرهابيين" بلا هوادة ، هذا ما يمكن استنتاجه من طبيعة القضايا التي ستشغل بال الأمريكيين للسنوات المقبلة . إنه " الإرهاب" الذي يراد أن توظف كل أنظمة الشرق الأوسط لمحاربته وهو بنظر الأمريكيين "قوة" لا يستهان بها ستبقى تدير الأمور في الشرق الأوسط لحين الانتصار عليه . أما إسرائيل فينظر إلى دورها المقبل في المنطقة بكثير من التواضع والتراجع على اعتبار أن دورها أصبح أقل أهمية منذ مجيء أمريكا للمنطقة إبان حرب الخليج الثانية ، فلم تعد مقولة" الحرب بالوكالة تنطبق على واقع الحال. وفي خضم هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض غير معقول أو منطقي تبرز قضيتا العولمة، والديموقراطيّة. . العولمة كظاهرة، والديموقراطيّة كمشروع باعتبارهما من القوى المسيطرة في المنطقة فالأمور اليوم تسير نحواشتباك العولمة في كل تفاصيل حياتنا . . كما تتر اجع الأنظمة التقليدية في بلادنا راغبة أو مكرهة نحو نموذج الديمقراطيات التي تعول أمريكا على نجاحها شريطة عدم تعارض نتائجها مع المصالح الأمريكية الاستيراتيجية . وعلى أساس مدى الاهتمام الأميركي بالمنطقة ، ورغم كل التفاؤل المفرط في سيناريوهات المستقبل لهذه المنطقة تبرز احتمالات حصول ثلاثة حروب ضد إيران وسوريا وكوريا الشمالية ، الأمر الذي يهدد بتحوّل السلاح النووي من سلاح غير تقليدي، إلى سلاح تقليدي عادي . ووسط ذلك أيضا تبرز احتمالية صراع القوى القديمة عالميا مع الولاياتالمتحدة" روسيا والصين" فضلا عن فرنسا التي تحاول ما أمكن البحث لها عن موطئ قدم في قضايا الشرق الأوسط. تقديما على كل ما قيل وضع مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن مؤخرا سيناريوهات عدة لمستقبل المنطقة أولها السيناريو الممتاز: في هذا السيناريو، تتحوّل المنطقة إلى الديموقراطيّة تنسحب أميركا عسكريّا من المنطقة. تُحلّ القضيّة الفلسطينيّة، وقضيّة اللاجئين. تتحوّل المنطقة إلى منطقة آمنة على غرار الاتحاد الأوروبي. تُحلّ قضايا الحدود بين دول المنطقة وهي كثيرة. وتعتمد دول المنطقة شعار "الديموقراطيّات لا تقاتل بعضها البعض" ويصبح"الإرهاب " هو العدو المشترك لكلّ دول المنطقة. أما السيناريو الوسطي : فيقوم على أساس استمرارالوضع على ما هو عليه. لا حلّ للمشكلة الفلسطينيّة. لا حلّ لمشكلة الإرهاب. استمرار صراع الدول الكبرى على المنطقة وثرواتها، مع تقدّم نوعي للولايات المتحدة على غيرها من الدول. تستمرّ إسرائيل كعدو لبعض الدول، وصديق للبعض الآخر. تتحوّل اميركا لدعم الأنظمة الدكتاتوريّة، فقط لأن هذه الأنظمة تعتبر قادرة على التعاطي مع الإرهاب، والتراجع فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريّات. تبقى إيران في سعيها للحصول على السلاح النووي. كما تستمرّ مشكلتها مع أميركا وأوروبا. تحاول الدول الكبرى – خاصة الصين وروسيا- إزعاج أميركا في المنطقة عبر دعم ومحاول تبنّي بعض الدول العربيّة الممانعة للمشروع أما السيناريوالسيّء: فتصبح كلفة البقاء الأميركي في المنطقة كبيرة جدّا. يتحوّل العراق إلى ساحة صراع في كلّ الأبعاد، الدينيّة، المذهبيّة، ومن ثمّ الاثنيّة. تحاول الدول المحيطة بالعراق التدخّل فيه لحماية أمنها ووحدتها الجغرافيّة . تتحوّل إسرائيل إلى تنفيذ عمليّة الترانسفير الأكبر عبر طرد الفلسطينيّين إلى الدول المجاورة وخاصة العراق . . وهي سيناريوهات وإن بدت بعيدة الحصول في المدى القصير ، إلا أنها تستدعي التفكير والتأمل الجاد بغية التماس معالم الطرق للمرحلة القادمة . فعلى أي واقع نحن مقبلون ! المصدر الاسلام اليوم