قبل نحو أسبوع، استبق الرئيس عبدالفتاح السيسى، الجميع، خاصة حكومته، وتوقع فشل الدعوات المطالبة بالتظاهرات فى 11 نوفمبر المقبل، تحت شعار "ثورة الغلابة"؛ للمطالبة برحيله؛ احتجاجًا على ارتفاع الأسعار. السيسى الذى عادة لم يتطرق إلى الرد على دعوات للتظاهر ضده مجهولة المصدر، منذ أن وصل للرئاسة منتصف 2014، بدا فى حوار أجراه منتصف الشهر الجاري، مع 3 من الصحف القومية، وكأنه يخشى المجهول حول تلك الدعوات. وردًا على سؤال نصه "تتردد دعوات من جماعات معادية للدولة للخروج والشغب، وآخرها دعوة يوم 11/11 هل تقلقك مثل هذه الدعوات؟"، أجاب السيسي: "المصريون أكثر وعيًا مما يتصور كل من يحاول أن يشكك أو يسيء، لذا كل الجهود التى تبذل من جانب هذه العناصر وأهل الشر مصيرها الفشل". ويطلق السيسى عبارة "أهل الشر" على معارضيه، واعتبرها مراقبون موجهة لجماعة الإخوان المسلمين، التى تدرجها الحكومة "إرهابية"، وتعد أبرز الجماعات المعارضة للنظام، والتى دائمًا ما تصف نفسها ب"السلمية، وعدم تبنى العنف". وسياسيًا، تشهد مصر، احتقانًا سياسيًا وصل ذروته مع إطلاق دعوات التظاهر فى 11 نوفمبر المقبل، للمطالبة بإسقاط النظام، وهى الدعوات التى لم تتبناها جهة معارضة بارزة حتى الآن، رغم تأييدها من قبل جماعة الإخوان المسلمين ومعارضين ليبراليين ويساريين. تجربتان سابقتان بالتظاهر، أسقطتا نظامين فى الخمسة أعوام الماضية، بدأتا بتحديد الموعد، واستغل داعموها الأوضاع آنذاك فانتهت إلى ما لا يُحمد عقباه بالنسبة للنظام القائم. وتتشابه الأوضاع الراهنة كثيرًا مع نظيرتيها فى 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، حين سقط الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى الأولى وتبعه سلفه محمد مرسى فى الثانية. العامل المشترك فى التجربتين السابقتين، هو تدخل الجيش والإطاحة بالنظام القائم، حيث لم يشفع للأول كونه من أبناء القوات المسلحة، كما لم يشفع لمرسى كونه أول رئيس مدنى منتخب. الغضب الشعبى الحالى فى مصر وفق مراقبين، بدأ وكأنه كومة قش قابلة للاشتعال فى أية لحظة، وسط تحذيرات لمقربين من النظام بضرورة التنفيس عن المواطنين قبل انفجار متوقع. ولم تعد فكرة الربط بين الفوضى المرتقبة نتيجة أى حراك ثورى ناجح على الأرض، وما يحدث فى سوريا والعراق من أعمال عنف وخراب، تؤتى أكلها بالنسبة للشعوب الغاضبة الجائعة. فبينما انتشرت فى الأيام الأخيرة، دعوات صريحة تندد بالنظام كان من بينها تلك المشاهد المسجلة لسائق التوكتوك والتى تسببت فى حراك غير مسبوق فى الفترة الأخيرة ضد النظام بين مؤيديه ومعارضيه. وتبع سائق التوكتوك مشاهد أخرى مكررة على ذات المنوال، وقبل أيام خرج سائق تاكسى من منزله بمحافظة الإسكندرية بصفيحة بنزين، وأحرق نفسه بسبب غلاء الأسعار، واختار نادى عسكرى لينفذ تلك المهمة فى إشارة لها دلائلها، وصباح اليوم فارق الرجل الحياة، متأثرًا بإصابته. ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية، وما تشهده مصر من أزمة اقتصادية، ونقصًا حادًا فى السلع الأخرى، وتخطى سعر الدولار 15 جنيهًا فى السوق السوداء، مؤخرًا، أسبابًا أخرى تهدد وضع النظام الحالي. وهى الأسباب التى دفعته إلى عقد اتفاقية مع صندوق النقد الدولى فى أغسطس الماضى للحصول على 12 مليار دولار لمدة 3 سنوات، لدعم برنامجه الاقتصادي. وكان احتياطى النقد الأجنبى قد تهاوى فى السنوات الخمس الأخيرة ليصل إلى نحو 19 مليار دولار، بعد أن وصل 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير 2011. فبينما لم تتبن الدعوة للتظاهر فى 11 نوفمبر المقبل، جماعة أو حركة سياسة بارزة، أبدت توجهات سياسية مختلفة دعمها لها. ومن جانبه قال "التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، الداعم للرئيس الأسبق محمد مرسي، فى بيان إنه "مع توالى الاستعدادات لهبة شعبية جديدة يوم 11/11، ويدعو كل المصريين للمشاركة بشكل فعال ومؤثر استعدادًا لغضبة ثورة يناير الكبرى". بدورها، دعت حركة شباب 6 إبريل، إلى التظاهر ضد النظام، وأطلقت شعار "ارحل". وقالت الحركة فى بيان عبر صفحتها بموقع "فيس بوك": "نداء إلى كل مواطن مصري، الثورة حق، الثورة قامت عشان الفساد والنهب، والسيسى ونظامه وإعلامه حاربوها بكل الوسائل من أول لحظة". عبدالناصر سلامة، رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق، توقع قيام ثورة كبيرة قادمة على "السيسى"، مشيرًا فى مقال له إلى أنها "تفوق ما حدث فى 25 يناير"، حسب قوله. وقال "سلامة"، إن "الاحتجاجات فى الذاكرة المصرية ارتبطت دائمًا وأبداً بالجوع والأسعار، وتردى أوضاع الخدمات والمرافق، لم تكن أبدًا عملية الديمقراطية والحرية والكرامة ضمن الأسباب، على الرغم من أنها كانت الشعارات فى معظم الأحوال". ولا أحد يعلم من أين تدحرجت الدعوة إلى التظاهر يوم 11 نوفمبر المقبل فى مصر، تحت شعار "ثورة الغلابة"، ولا من يقف وراءها.