جمال سلطان وصلتني رسالة من الصديق القديم موريس صادق المحامي ، وكنت أعرف موريس من خلال بعض المنتديات الحقوقية التي نغشاها في القاهرة سويا ، كان هو أكثر مواظبة على حضور كافة هذه المنتديات والجمعيات ، ثم نسير في بعض الأحيان سويا بعد انتهاء الندوة نقطع شوارع القاهرة ونتبادل بعض الحديث قبل أن نفترق إلى منازلنا حيث يزاحم من أجل الحصول على عدة سنتيمترات من باب الأوتوبيس المتجه إلى حي شبرا ، كان موريس يبدو مصريا مكافحا ، في ملبسه ومكتبه ومسكنه ، من ملايين الكادحين الذين يبحثون عن لقمة العيش بصعوبة في بلادي ، ورغم نشاطه الدؤوب إلا أن مشكلته كانت في خياله الخصب ، وغياب الواقع من حساباته وتأملاته ، تذكرت تلك الصورة وأنا أقرأ رسالته الطريفة ، وجدته يبدي غضبا شديدا لما أسماه حوادث اختطاف الفتيات المسيحيات ، موريس قال في رسالته أو بيانه أن عدد المسيحيات المختطفات يقدر بنصف مليون فتاة مسيحية ، أي والله هذا ما ورد في رسالته ، وقد كتبها بالكلمات وليس بالأرقام لضمان عدم اللبس ثم أعاد الأرقام ، وكرر ذكر النصف مليون ، وضحكت وأنا أقرأ البيان ، وتذكرت خيال موريس الواسع واعتبرت الرقم الذي قاله نكتة من نكاته القديمة ، أو لعل خيال موريس قد ازداد اتساعا مع أجواء معيشته الجديدة في واشنطن ، حيث فاض الرزق ولا يوجد هناك أوتوبيسات شبرا المزدحمة وإنما فيوض من الدولارات ، بعيدا عن هذا المزاح الثقيل الذي جاء في رسالة موريس إلا أن رسالته لم تخلو من أفكار أضم صوتي لصوته فيها ، كي نفضها سيرة في حكاية خطف الفتيات ، فليس معقولا أن كل فتاة مسيحية تزوجت من شاب مسلم تصبح قضية اختطاف ، أضم صوتي لصوت موريس في ضرورة أن يرفع الجهاز الأمني يده من هذا الموضوع نهائيا ولا يجوز له التدخل فيه بتاتا ، لا أمن الدولة ولا غيرها ، وإنما توكل مثل هذه المشكلات إلى النيابة العامة للتحقيق فيها وسماع أقوال كل أطرافها ، ثم إحالة القضية إلى القضاء إن استدعت تعقيدات القضية ذلك ، وأن تكون المحكمة علنية وأن يحضرها مراقبون من منظمات حقوقية مصرية وأجنبية ، لمتابعة سير القضية وسماع أقوال الفتيات والشباب والشهود والأسر جميعا ، فإذا ثبت أن هناك اختطاف فلا بد من معاقبة من ارتكبوه أو شجعوا عليه ، وإن وجد الأمر مجرد ارتباط عاطفي أو قانوني بزواج يتم اتخاذ الإجراءات القانونية لبسط حماية القانون على الجميع بمنع التعرض لأي طرف من أي جهة كانت رسمية أو شعبية ، فهذا هو ما يقطع الألسنة في الداخل والخارج ، ويضع الأمور في نطاقها الصحيح كحرية اعتقاد أو حرية شخصية ، بعيدا عن التوتر الطائفي ، أما المهيصة التي تحدث بتوسيط سيادة الرئيس أو مخاطبة معالي الوزير أو تطييب خاطر البابا أو مراضاة مشيخة الأزهر ، فكل هذه أمور مهينة للدولة كدولة ، وتزيد الأمور تعقيدا والنفوس احتقانا وتضفي أجواء من الغموض بدون أي مبرر أو معنى ، وفي النهاية تضر ولا تنفع . [email protected]