تحدث صلاح سلطان، عضو الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين، والقيادى بجماعة الإخوان المسلمين، عن تعذيبه، طوال ثلاث سنوات منذ اعتقاله، فى سجن الليمان المشدد بوادى النطرون. جاء ذلك، فى رسالة، اطلعت عليها "المصريون"، بعثها "سلطان" من محبسه بسجن الليمان المشدد بوادى النطرون، تناول فيها الأحداث التى مر بها منذ اعتقاله قبل نحو ثلاث سنوات، بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة فى 14 أغسطس 2013. وجاء نص رسالة سلطان: بسم الله الرحمن الرحيم " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿127﴾ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴿128﴾" إلى كل إنسان صدق فى حب الرحمن، وعشق تحرير الإنسان والأوطان. إلى أمة المليار وسبعمائة مليون كالأيتام على مأدبة اللئام. إلى زوجتى الطاهرة، وأولادى لذات أكبادي، وأساتذتى وطلابى وإخوانى وأخواتى الأوفياء الأتقياء الأنقياء. إلى الأحرار الأبرار الأخيار فى أرض القدس وفلسطين المرابطين فى مواجهة الصهاينة والمتصهينين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وبعد فإنى أكتب إليكم من سجن الليمان المشدد بوادى النطرون فى صحراء مصر، عنبر (12) شديد الخطورة لأهتف من أعماق قلبى أنشودة الأشواق ولن تحول بيننا الأشواك أن أقول: إنى أحبكم فى الله تعالى، وشأنى معكم كما قال الشاعر: لغة الكلام على فمى خجلى كما رأيت، ولولا الحب لم أتكلم أكتب لكم اليوم 21/12/1437- 23/9/2016 فى الذكرى الثالثة لسجنى ظلماً وعدواناً، عشت بين الجدران والقضبان وقسوة السجان، ومرت علينا أهوال من التعذيب والتجويع، والتهديد والترويع ولازلنا – بفضل الرحمن – نتحدى كل بغى وعدوان، وظلم وطغيان، ونعلن "فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " والسبب " إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا" ولازلنا نردد فى عزة وإباء، وشموخ ومضاء قول الشاعر: أَنا لَستُ أَدْرى هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتى أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟ أمْ أنَّنى سَأَكونُ فى تارِيخِنا مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟ كُلُّ الَّذى أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعى كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ فى إِمْكاني لَوْ لَمْ أَكُنْ فى ثَوْرَتى مُتَطَلِّباً غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتى لَكَفاني أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتى يَغْلى دَمُ الأَحْرارِ فى شِرياني لقد حكموا على بالإعدام، ألقونى فى أضيق مكان، بلا كهرباء ولا غطاء، ولا حمام ولا ماء – إلا زجاجة لا تكفى لوضوء أو سقاء، فما انحنيت لخطب، ولا رجوت إلا ربى القوى العزيز الواحد القهار، وظل عنوان محنتنا "إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" ودعاؤنا "أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" فأفاض علينا الرحمن بأنهار من العطاء منها ما يلي: أولاً: أكبر المنح الربانية روحياً: هنا عرفت ربى الرحيم الودود، وذقت بحق حلاوة حبه وقربه، وشعرت بالسكينة والطمأنينة تملأ نفسي، وتشرح صدري، وتنير قلبي، وتريح عقلي، ولم يعد يشغلنى متى ولا كيف أخرج مخرج صدق، فقد بعت نفسى لربي، ووكلت أمرى كله لربي، فلم أعد أبالى إلا: كيف أرضيك ربي، وأحظى بالنظر إلى وجهك الكريم مع أحبتى فيك ربي، وركزت همى فى السير إلى ربي، واللحاق بركب النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقاً. ثانياً: أعظم المنح الربانية أخلاقياً: زادتنا المحنة – بفضل ربي- قوة ورسوخاً فى المبادئ والقيم الإيمانية والأخلاقية "كعودٍ زاده الإحراق طيبا" فلم تداهمنا خطرة، ولم تساورنا فكرة أن نتراجع أو نهين، أو نضعف أو نستكين، وظل شعارنا "إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ"، ونحمد الله أن واتتنا الفرصة الإلهية كى نقدم التضحيات رخيصة فى سبيل الله وأن نتحمل برجولة كل ألوان الحرمان، وأن نؤثر على أنفسنا ولو كان بنا خصاصة فذقنا حلاوة السمو الأخلاقى فى الإستغناء عن عرض الدنيا، فزادنا ربنا ذلة للمؤمنين وعزة على الطغاة الظالمين، فلم ننكسر ويقيننا أننا بإذن الله سننتصر. ثالثاً: أعمق المنح الربانية علمياً: حلقت – بفضل الرحمن – بكل همة بجناحى التعلم والتعبد فى أوسع الآفاق فى مقام " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ" وإذا بفيض من "وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا " فى أكثر من ألف صفحة فى التفسير الأصولى والمنهجى وأخرى فى المقاصد والشرح الأصولى للأحاديث النبوية، وتأليف قصص قصيرة منها: قطر الندى، والحُب قبل الحَب، وحفيدتى فى السجن، وصورة ابنتي، والعنكبوت الصامد، وكان أبوهما صالحاً، .. وذاكرت للماجستير فى القانون الدولى لولا منعى قسراً من دخول الامتحانات وقاربت على الانتهاء من دكتوراه جديدة فى التفسير، وتوسعت فى القراءات الأدبية والسياسية والإدارية. رابعاً: أوسع المنح الربانية أسرياً: ظفرنا – برحمة من الله تعالى – بشهيد إلى أعلى الجنات بإذن الله، قتله الظالمون بعد تعذيبه، وجاءتنى التهنئة من أسرتى الصامدة "مبروك عليك الشفاعة، لقد ارتقى زوج أختك إلى الفردوس الأعلى" وهو أرقى وأنقى عائلتنا خلقاً وديناً، فسجدت فى سجنى شكراً لربى ودعوته أن يُلحقنى وأسرتى وأحبتى به شهداء على أبواب الأقصى عند تحريره، وزادنا ربنا فضلا فتحسنت صحة زوجتى حبيبتى من مرض السرطان، وأخرج الله ولدى محمدا من السجون المصرية بعد أن شارف على الموت أمام عينى مراراً من رحلة الإضراب عن الطعام وصمود عالمى زاد على الستمائة يوم، وتفوق أبنائى فى أعمالهم ودراساتهم ودعوتهم، ورُزقنا بحفيد وحفيدة جديدين بجوار الحفيد الأول، وتزوج وأنجب عدد من أبناء إخوتى الذين ضربوا المثل فى الوفاء والمروءة النادرة فى الأثواب الطاهرة، وتوطدت علاقتى بكل أسرتى الصابرة المحتسبة، ورزقنى الله من وفاء الأهل والأبناء من صلبى وقلبى ما قرّت به عيني. خامساً: أوثق المنح الربانية دعوياً: لقد ضل من ظن أن يحبس فكرة أو دعوة، ففى السجن أكرمنى الله بهداية عدد من عتاة المجرمين الجنائيين حتى صاروا يسابقوننى فى الصيام والقيام والذكر والقرآن، وهم عندى أغلى من الدنيا وما عليها، وفى الخارج منَّ الله على بأوسع عطاء فاصطفى لى من الأنقياء الأذكياء النبلاء من سخروا حياتهم لقراءة كتبي، ونشر رسالتي، واسترجاع مواقفي، وسماع برامجى وخطبي، وزادنى ربى فى العطاء، فانتُخبت من كرام العلماء – وأنا فى الإعدام – عضوا فى مجلس الأمناء للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين، وظنى فى ربى "أنا عند حسن ظن عبدى بي" أن يختار لى من نبغاء الشباب والفتيات، الرجال والنساء، الربانيين والربانيات من يسد ثغرتي، ويملأ فراغى وينشر رسالتى فى العالمين. ومن الصدق والواقعية أن أذكركم أننى كإنسان أضيق بقسوة الجدران والقضبان والسجان، وأعيش مرارة الحرمان من عمارة بيوت الله، والتجول بدعوة الله فى العالم كله، والحرمان من نعيم الحياة فى ظلال زوجتى وجنة قلبي، وأولادى فلذات أكبادي، وأبنائى وبناتى من طلاب العلم، وفرسان الدعوة، والحرمان من متعة السير فى قريتى بين الخضرة اليانعة والشمس الساطعة، والسباحة فى الماء، والسياحة فى الأرض، ومسح رأس اليتيم، ورؤية ابتسامة الفقير والمسكين، ومع هذا كله لم أندم مرة واحدة على خير قدمته محتسباً لربى الودود عندما تركت حدائق كولمبس وقصور الخليج وعدت مختاراً إلى أحضان مصر حبيبتى مشاركاً فى ثورة 25 يناير، وخطيب الجمعة فى ميدان التحرير 11/2/2011م. وعدت أستاذا للشريعة الإسلامية فى كليتى العريقة دا رالعلوم –جامعة القاهرة، وأميناً عاماً للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية (بدون راتب إلا أجرى على الله) ومعتزاً بمشاركتى فى رابعة والنهضة والفتح دفاعا عن الصوت الانتخابى فى مواجهة السوط، ولازلت لا يحرِّق قلبى ويؤرق مضجعى سجن ولا سجان، بل صرخات بناتى اللاتى هتك الفاجرون أعراضهن فى مصر وسوريا وغيرها، واعتداءات الصهاينة بمباركة عملائهم على الأقصى والقدس وغزة وفلسطين، يؤرقنى ما أراه دوماً من آثار التعذيب البشع على أجساد إخوانى وأبنائي، يؤسفنى استجداء أمتى الغذاء والكساء والدواء من ألد الأعداء، وتسويغ من انتسبوا زوراً إلى العلم والعلماء لجرائم الطغاة الظالمين، يحزننى صمت جموع الصالحين، ومعاناة قليل من الصادقين، وخلافات دعاة مصلحين، والإبطاء عن تقييم ما سبق ورؤية للخروج من المأزق، وخطة للعمل المستقبلي، وتلك هى الحالقة. أملى ورجائى من أحبتى: 1- ألا نكون سهماً فى فتنة، ولا ننسى – وفاء – فضل السابقين، لكن دعوتنا أحب إلينا من أنفسنا، فنراجع فى رفق أخطاءنا –فلسنا معصومين، ونعترف بشجاعة عن أخطائنا، ونعدِّل فى ثقة مسارنا نحو الأرضى لربنا والأصلح لديننا ودعوتنا وأمتنا وأوطاننا وقدسنا "والشجاع من انتصف من نفسه". 2- صدق التحمل والأداء لرسالة الإسلام وتبليغها فى جميع الأرجاء، بلا وهن أو إبطاء، وملء فراغنا لهذه الأعداد الغفيرة فى السجون، فى ثغرات الدعوة والتربية والتدريب لصناعة جيل النصر المنشود لتحرير الإنسان والأوطان والأقصى وفلسطين والتمكين للإسلام والمسلمين. 3- صفاء اليقين أن رب العزة منجز لنا ما وعدنا "فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" و "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا". 4- خالص الدعاء"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " وإلى لقاء فى ساحات الدعوة وتحرير الإنسان والأوطان وفلسطين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.