شاكراً، ومترضيًا عن أمير المؤمنين عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أستلهم منهُ هذا التناص القصدي، بل ربما هذا الاقتباس المقَنَّعَ فأقول: لو تجاهلت الأمم ( لو تسابقت الأمم على الحصول على لقب الأمَّة الأكثر جهلاً " ) لجَاهَلنا بحمقى الخطاب الليبرالي المصري الحديث جميعَ الأمم.. أقول هذا وأنا أرى كلَّ يومٍ كبوةً فاضحةً لهذا الخطاب، كان أحدثها عندما أراد زياد العليمي ( أين الزيادة وأين العلم هنا؟ سؤال في غير محله ) أن يدخل التاريخ عبر بوابة الجرأة، فأبى التاريخ إلا أن يفتح عليه بابًا من السخرية و الازدراء سيعيهِ سدُّه .. نعم فالجاهل عندما يعرض عقلَهُ على الناس عبر الأثير بهذه الصورة التي رأينا ولا نزال نراها كل يومٍ عبر الفضائيات ينالُهُ من السخرية ما يستحق، لأنَّهُ لا يعلم أن بإصراره هذا على عرض عقلهِ على الناسِ، رغم جهلهِ البيِّن يقدمُ هذا العقلَ ريشةً في مهبِّ الازدراء .. لقد أراد – العليمي- أن يظهر لمن انتخبوه عضواً في البرلمان أنه الفارس الأوحد الذي ليس لديه خطوط حمراء في مهاجمة الكبار، فهاجم بلسانه المتلعثم الذي يكبو فوق جسر الكلامِ حتى يشعرك وأنت تراه متحدثًا أنَّكَ في صحبةِ لسان أعجمي في درسٍ أول من دروس تعليم العربيةِ لغير الناطقين بها - هاجمَ رجلاً يصنفه العلماء والمفكرون في العالمِ العربي والإسلامي بأنَّهُ واحدًا من كبار علماءِ الأمَّةِ الربانيين الذين وهبهم الله من العلم واللغة والعلم باللغة ما جعل منظومتها الثلاثية الأبعاد تكتمل لديه: نحوًا وصوتًا ودلالةً في نموذجٍ فريدٍ من نوعهِ؛ فهو الفقيه، و العالم المفوه والداعية والشيخ، فسبحان من قال " يزيدُ في الخلقِ ما يشاء ". لم أجد ما أوَصِّفُ به تطاول النائب النائبة على الشيخ محمد حسان، واصفًا إياه بكونه ليس شيخًا، ومتحدثًا عنه بطريقةٍ غير لائقة إلا هذا العنوان الذي وضعتُهُ عتبةً لمقالي هذا: " ما بعد قلةِ الأدب". فالحداثة تتطور في الغرب لتصل إلى " ما بعد الحداثة "لها ما لها من مزايا وعليها ما عليها من المآخذ، وفي خطابنا الليبرالي الحديث تتطور " قلةُ الأدب " إلى الأسوأ فتصل إلى مرحلة " ما بعد قلة الأدب"..فكأننا أردنا أن نخرج من قُمْقم " الجهل " الذي حبسنا بداخله الحاكم المستبد الجاهل، فأبى ليبراليونا الأشاوس إلا أن يدخلونا في جُحْرِ " ما بعد الجهل ".بإقرارهم بعدم جهلهم وبكونهم الأكثر فهمًا للمعطى السياسي الراهن في مصر من غيرهم ، محاولين النيلَ من علمائنا الذين حملوا على عاتقهم مهمةَ النهوض بخطاب الأمة القيمي والثقافي والفكري والأخلاقي. فكم هو مليءٌ هذا الخطاب الليبرالي بالحماقات، إذ إنَّ فضاءَهَ يعُجُّ بالحمقى الذين تمثَّلوا الحداثة قطيعةً معرفيةً مع التراث، وتمثلوا النقدَ خوضاً في أعراض الناسِ، ناهيكَ عن كونِهِ – لديهم - خوضاً في أعراض العلماء، فليست هذه هي المرة الأولى التي يتطاولُ فيها أحمقُ من هذا النوع بكلامٍ من تلك العينة على شيخٍ بكل هذا العلم وبكل هذا التواضع، ولن تكون المرة الأخيرة في بلادٍ يقود قاطرتَها الإعلامية إعلاميون مجازٌ ليسوا من الحقيقةِ في شيءٍ، إعلاميون يُجرون لقاءاتهم وحواراتهم مع أشباه المثقفين وأنصاف المفكرين بما يخدم أجندتهم الميكيافلية وحسب، إعلاميون لا يرتقون لمستوى اللحظة، ناهيك عن أن لدى الكثير منهم مشكلات في النطق والمخارج والصوت والنحو والتراكيب، إعلاميون افتراض قدمتهم لنا دولة الافتراض ، في غفلةٍ من عيون الحقيقة، ليطبلوا للحاكم المستبد والحاشية الفاسدة. الحُسْوةُ الأخيرة: من قصيدتي سيدة الافتراض: " فالحبُّ... والأحلامُ... والأملُ المرصَّعُ بالندى محضُ افتراضْ: فالناس تَضْحَكُ عبرَ شاشاتِ " المَسِنْجَرْ " والحزنُ والأفراحُ يجمعهمْ إذا اتسعت بهمْ سِجَّادةُ النقالِ أو بهوُ الحديثِ المستفيضِ على ضفافِ " الشاتِ" أو رملِ "المَسِنْجَرْ " والجالسُ الأبديُّ قد يُقصى عن الكُرسيِّ ( في الفِيسبوكِ)... أو عُرْفِ " المسنجرِ " في بلادٍ كلُّ ما فيها افتراضْ * شاعر وناقد وإعلامي من مصر.