فى الوقت الذى يحتفل فيه العشاق حول العالم بعيد الحب أو (الفلانتاين) يوم 14 فبراير من كل عام، استقبلت السوق الفرنسية كتابًا يؤكد أن الحب لا يدوم أكثر من ثلاث سنوات على الأكثر، فقد نشرت الباحثة الفرنسية المختصة فى طب الأعصاب (لوسى فانسون) كتابا أطلقت عليه (كيف يحدث الحب؟) أكدت فى كتابها أن حالة الشعور بالحب لا تتجاوز ثلاث سنوات فى أحسن الحالات وأن ما يرافق هذه الحالة من إحساس بالسعادة والنشوة هو فى الواقع انعكاس لعوارض جسدية ونفسية تؤدى إلى إفراز هرمونات السعادة فى المخ. ومع مرور الزمن تقل هذه العوارض إلى أن تتلاشى نهائيًا ليحل عوضًا عن الشعور بالرغبة فى التحليق عاليًا بين السحب الشعور بالملل بل والندم فى أحيان كثيرة. هذا الكلام سليم من ناحية التحليل المادى البحت لظاهرة إنسانية هى الحب، فالطبيبة مؤلفة الكتاب تتوغل بعد ذلك فى وصف حركة هرمونات الدوبامين والأندروفين فى المخ، والتى تسبب الشعور بالنشوة ثم كيف تقل وتتلاشى، ولكنها لم تنظر لهؤلاء المحبين كبشر يتأثرون بعوامل كثيرة جدًا وليسوا مجرد فئران للتجارب. لن نكف عن تأمل المعانى السامية فى الآية الكريمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) تبدأ قصة الحب بين الزوجين بمشاعر المودة، والتى تكون فى أوجها حين اندلاع شرارة الحب الأولى فى بداية الزواج، ولعل تلك الفترة هى التى تصفها صاحبة الكتاب هى وغيرها ممن يحللون الحب بشكل مادى، وبالطبع لا تحتاج الحياة بتقلباتها ومسئولياتها بعد ذلك لاستمرار نفس نوعية الحب، ولكن تحتاج شيئًا أكثر دوامًا وهدوءًا وهو مشاعر الرحمة المتبادلة، التى يخلقها الولد المشترك والحياة الأسرية بكل مسراتها ومتاعبها أيضًا، وهكذا تتحول العلاقة إلى سكن. معنى السكن أن تصبح زوجتك وطنك الذى تحن إليه وتعود إليه دائمًا مهما شاهدت غيره، معناه ملابس نظيفة فى الدولاب وطعام صنعته بيديها لا تستسيغ غيره ورائحة المودة الخاصة جدًا التى تنطق بها عيناها، معناه الفرحة معا بنجاح الأولاد وزواج البنات والمشاركة فى كل مناسبة للأهل والأصدقاء، معناه أن تنطق نصف الجملة فتكملها لك، أو تقول أريد ال... فتناولك النظارة والساعة والمحفظة والموبايل قبل خروجك دون أن تنتظر. معناه أيضًا أن تكون هى أول إنسان يهنئك ويواسيك وأن تكون متأكدًا أنها دائمًا فى صفك لا خوفًا أو قهرًا ولكن حبًا ومودة، ولذلك تأتى أهمية الحب بين الزوجين. فى الناحية العكسية هناك من يقلل من ضرورة وجود الحب أو يشكك فى حقيقته وتغلب عليه الناحية العملية فيقول، باستطاعة أى رجل أن يتزوج أى امرأة ويتعايشا بتبادل المنافع والمصالح فقط، ربما لأن البعض لا يمتلك مخزونًا من المشاعر يمنحها لغيره، وهو بذلك يخسر كثيرًا، لا يخسر فقط جمال وبهجة الحب الصادق، ولكنه يخسر أيضًا وظيفته. فللحب وظيفة هامة فى حماية الزواج والعمل على استمراره، إنه بمثابة نقطة الزيت التى تلين المحرك فيظل يعمل، كما أنه الدرع الواقى ضد أعاصير الحياة وتقلباتها، وبواسطته فقط تصبر الزوجة على تصاريف القدر التى تواجهها سفينة الحياة الزوجية. ولكن هل يستمر الحب للنهاية كما هو، بالطبع لا فهو مثل أى كائن يحتاج رعاية وعناية من قبل الزوجين بالمعاملة الطيبة وعدم القهر فالحب يتنفس حرية ويتغذى احترام وينتعش بالحياة، التى يسودها المرح والانسجام ويقوى بالتقارب الفكرى. وكما أن الإنسان نفسه يتبدل شكله وتتغير نظرته للحياة وتختلف احتياجاته فى كل مرحلة عمرية، كذلك فإن الحب تختلف تفاصيله المتبادلة بين الزوجين. وحين ترى زوجين فى مرحلة سنية متقدمة، وقد تساند كل منهما على الآخر وانسجما فى حوار وبين الحين والآخر يمد الرجل يده لزوجته وهى تصعد الرصيف وتعيد الزوجة من إحكام الكوفية حول رقبته فهذا هو الحب. قد لا يظل الحب بعد الزواج على نفس شاكلته فى أوجه وازدهاره فى بدايات الصبا وأثناء شهر العسل، ولكنه لا يختفى أو يتبدد بل ينمو ويتطور ليناسب احتياجات كل مرحلة. الزواج هو التطور الطبيعى للحاجة الحلوة فى الحياة وهى الحب.