أدى أكثر من 1,8 مليون مسلم الأحد في صعيد عرفة الركن الأعظم من مناسك الحج في ثاني أيامه، وعشية أول أيام عيد الأضحى الذي طبعه العام الماضي أسوأ حادث في تاريخ هذه الفريضة. ومنذ انبلاج الفجر، تقاطرت حشود الحجاج في أفواج من المد الابيض (نسبة لملابس الإحرام) باتجاه عرفة، المشعر الوحيد الواقع خارج نطاق الحرم المكي، وحيث جبل الرحمة ومسجد نمرة. وأمضى الحجاج يومهم بالابتهال والدعاء حتى الغروب حين بدأوا النفرة إلى مزدلفة والمبيت هناك استعدادًا للإفاضة إلى منى حيث يؤدون شعيرة رمي الجمرات. وبعيد ظهر الأحد بلغ القيظ أوجه. ولجأ المؤمنون إلى الإكثار من شرب المياه التي توفرها شاحنات موزعة على امتداد المساحات التي يتواجدون فيها. ولجأ الحجاج الى أساليب عدة لمواجهة الحر، منها غسل رأسهم بالمياه، أو التظلل أسفل قطع من القماش نصبوها من خلال ربطها بحافلتي نقل. ورفع معظم الحجاج مظلات بيضاء اللون لعكس أشعة الشمس. ويعد الوقوف في عرفة ذروة مناسك الحج التي بدأت السبت، وفيه يختبر المؤمنون مشاعر الإيمان والتقوى والخشوع. وقال السنغالي خادم ندايي (47 عامًا) الذي يؤدي المناسك للمرة الأولى لوكالة فرانس برس "أشعر بأنني أقف في حضرة الله". من جهته قال السوري محمد خيارة (51 عامًا) بينما كان يلتقط حصى الرمي من مزدلفة "هذه رابع مرة أحج فيها". أما المصري أحمد سلمان، فوصف أداءه الحج، خامس أركان الإسلام، بابتسامة عريضة وجملة مقتضبة "هذه أجمل لحظة في حياتي!". وأضاف هذا المحاسب لفرانس برس "أنا موجود في أجمل بقعة في العالم، حيث يحلم أكثر من مليار مسلم بالتواجد هنا". ويحظى صعيد عرفة بأهمية كبيرة لدى المسلمين. وينسب للنبي محمد قوله "الحج عرفة"، ونزلت في هذا المكان الآية التي يرجح أنها من آخر ما أنزل عليه من القرآن "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". وفي عرفة، ألقى الرسول خطبة الوداع في السنة العاشرة للهجرة (589 م)، قبيل أسابيع من وفاته. وقال التونسي الشاذلي الرويسي (61 عامًا) الذي يؤدي المناسك برفقة زوجته، إنه "من الصعب" وصف شعوره في الحج. وأضاف الرجل ذو اللحية البيضاء "الكل يتشارك الفرحة نفسها، ناس من كل الأعراق يتحدثون كل اللغات مجتمعون لغرض واحد: طاعة الله". أما الهندي محمد عرفان (40 عامًا)، فيشعر بان "رؤية مسلمين من كل العالم يصلون هنا معًا، لهو أمر جميل". وأعلنت السلطات السبت أن عدد الحجاج وصل الى 1,855 مليون شخص، بينهم اكثر من 1,3 مليون من الخارج. ووصل هؤلاء الى عرفة بوسائل عدة، منها قطار المشاعر المقدسة الذي يربط مختلف محطات المناسك، بالإضافة إلى 18 ألف باص وفرتها السلطات. ووسط ازدحام هائل، قام العديد من الحجاج من الذكور أو الإناث، بالنزول من الباصات ومتابعة سيرهم مشيًا باتجاه صعيد عرفة. وبعد الغروب بدأ الحجاج الإفاضة إلى مزدلفة حيث يستعدون لأول أيام العيد، الذي يبدأون خلاله برمي الجمرات في منى، ويجمع الحجاج في مزدلفة الحصى التي يستخدمون سبعًا منها لرمي كل من الجمرات الثلاث (الكبرى والوسطى والصغرى)، في رمزية لرجم الشيطان. وكان رمي الجمرات تحول العام الماضي في أول ايام عيد الاضحى، الى مأساة راح ضحيتها زهاء 2300 حاج جراء تدافع في منى، بحسب أرقام من الدول التي فقدت رعاياها في أسوأ حادث في تاريخ الحج، إلا أن الحصيلة الرسمية التي أعلنتها السلطات بلغت 769 حاجا فقط. وتبذل السلطات جهودا إضافية لضمان إنسيابية الحركة وعدم حصول حوادث، واليوم الأحد، حلقت في الأجواء مروحيات لمراقبة حركة الحجاج وتنقلهم، بينما عمل آلاف من عناصر الأمن على الأرض، وقوفًا أو على متن سيارات ودراجات نارية، على تنظيم تنقل الحجاج وتوجيههم. كما اتخذت السلطات إجراءات منها تزويد الحجاج بسوار إلكتروني يتضمن معلوماتهم الشخصية، وزيادة تجهيزات المراقبة. وإثر حادث التدافع العام الماضي، وجهت ايران التي شكل رعاياها الجزء الأكبر من الضحايا (464 قتيلًا)، انتقادات حادة للحكومة السعودية، متهمة إياها "بالتقصير" في التنظيم وإنقاذ الضحايا. وعاود مسئولون إيرانيون هذا الأسبوع انتقاد السعودية على خلفية الحادث. ودعا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي العالم الإسلامي للبحث عن حل للإدارة السعودية للحج، بينما طالب الرئيس حسن روحاني ب"معاقبة" الرياض على "جرائمها". وفي خطبة عرفة التي ألقاها قبيل صلاتي الظهر والعصر، اعتبر الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبدالرحمن السديس أن "أمن الحرمين وسلامة الحجيج خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها برفع شعارات سياسية أو نعرات طائفية". وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران مطلع السنة الجارية. وفشل الجانبان في التوصل إلى اتفاق حول ترتيبات مشاركة الحجاج الإيرانيين في مناسك هذه السنة. وهي المرة الأولى منذ زهاء ثلاثة عقود، يغيب الحجاج الإيرانيون عن الحج، علما بأن السعودية أعلنت ترحيبها بالحجاج الإيرانيين في حال وصولهم من دول أخرى. والسبت، وصلت جموع كبيرة من الزوار الإيرانيين الشيعة إلى مدينة كربلاء في جنوبالعراق، كخيار بديل عن الحج في مكة. وأعلنت السعودية الأحد إطلاق قناة حج بالفارسية تهدف إلى "ايصال رسالة الحج ومعاني الإسلام الخالدة وما تقدمه المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان بن عبدالعزيز) للبيتين الشريفين والزوار باللغة الفارسية للناطقين بها في جميع أنحاء العالم"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية عن وزير الإعلام عادل الطريفي.