استعرضنا فى مقال الأمس مجموعة من التحديات التي تُواجه تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح .. اليوم نواصل فتح هذا الملف المهم للغاية والذى يعد التحدى الأكبر لمصر فى الحاضر والمستقبل بإعتباره يتعلق ب ( لقمة العيش ) وهى قضية أمن قومى بالدرجة الأولى بدون أدنى مبالغة . وبرغم تنوع التحديات التي تواجه الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح، فإن هناك فرصًا متاحة يمكن أن تشكل عوامل داعمة لهذا التوجه تنطلق من تطوير السياسة الزراعية، وذلك من خلال الاعتماد على ثلاث ركائز أساسية رصدتها الدراسة التى صدرت مؤخراً بعنوان : " هل تتجاوز مصر تحديات الأمن الغذائي من القمح؟ " : 1- الاستمرار في تنفيذ مراحل مشروع المليون ونصف المليون فدان: يمثل الاستمرار في تنفيذ مراحل مشروع المليون ونصف المليون فدان، سواء من خلال تطوير السياسة الزراعية في الأراضي الموجودة أو استصلاح أراضي جديدة - عوامل داعمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح كسلعة استراتيجية، وهو ما يتجلى في افتتاح عدد من القرى الزراعية في الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، فطبقًا لتصريحات عصام فايد -وزير الزراعة- فإن هناك عشرة آلاف فدان تمت زراعتها في إطار 280 ألف فدان مستهدفة في الفرافرة ضمن مشروع ال1.5 مليون فدان، وسيتم إنجاز 70 ألف فدان في المرحلة الأولى تعتمد في ريها بنسبة 88.5٪ على مياه جوفية، و11.5٪ مياه سطحية ومدورة. 2- التوسع في استنباط سلالات جديدة من القمح، والاهتمام بجودة الإنتاجية: يشكل التوسع في استنباط سلالات جديدة من القمح أحد أبرز الوسائل لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لا سيما وأن ثمة مبادرات في هذا الاتجاه استندت إلى نوعية التربة المصرية وقدرتها على استيعاب سلالات جديدة ترتفع بإنتاجية الفدان إلى ما يقرب من 20 أردبًّا. 3- توفير الدعم والتمويل للمزارعين: وذلك من خلال تشجيع زراعة المحاصيل الاستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، وتوفير الدعم المالي للتعاونيات الزراعية لخدمة الفلاحين، وتشجيعهم على رفع إنتاجية أراضيهم من خلال تعزيز أدوار المرشدين الزراعيين، وتوفير الأسمدة الزراعية، فضلا عن تخصيص جوائز مالية خلال الاحتفال بعيد الفلاح توزع على المزارعين الأكثر إنتاجية في محافظاتهم، وللمحافظات الأعلى في توريد أكبر كمية من القمح على مستوى الجمهورية، لخلق نوع من التنافسية.
وتعقيبا على ما أكدته الدراسة أنه أمام الحكومة المصرية تحدي حقيقي يتمثل في ضرورة وضع تدابير فعالة لمواجهة ظاهرة تضاعف أسعار القمح المحتملة عالميا، لتفادي أي أزمات في هذا الصدد قد يكون لها تداعيات سياسية واجتماعية وخيمة. نشير إلى أن هناك بعض التجارب المفيدة فى هذا الشأن منها زيادة المساحة المزروعة من القمح , وكذلك تعميم التجربة التى تم تطبيقها هذا العام بزراعة القمح فى موسم الشتاء - بدلاً من فصل الصيف - وتحديداً فى شهر فبراير وهو الامر الذى تم تطبيقه وأثبت فعاليته فى توفير نصف احتياجات القمح من الماء بسبب الجو البارد أو المعتدل وهو ما لا يجعل القمح يحتاج للكثير من المياه . فى هذا السياق أشير إلى تجربة رائدة قام بها علماء المركز القومى للبحوث خلال عهد د. هانى الناظر , حيث قاموا بانتاج رغيف مكون من خليط القمح مع الشعير , وأنا شخصيا تناولت هذا الرغيف خلال زيارة قمت بها للمركز منذ سنوات قليلة . وللعلم فإن هذه (الخلطة ) فى رغيف العيش تجمع ما بين جمال الطعم وتوافر العناصر الصحية الممثلة فى الشعير , علاوة على أن هذه التجربة التى سبق تطبيقها على أرض الواقع داخل المركز من خلال بناء ( فرن ) كان ينتج ( 5) آلاف رغيف يوميا تساهم فى توفير ثلث التكلفة الإجمالية لرغيف العيش بمعنى أن الدولة اذا كانت تخصص 30 مليار جنيه سنوياً لدعم رغيف العيش المصنوع من القمح فإنها لو عممت تجربة الرغيف المخلوط فسوف توفر مبلغ 10 مليارات جنيه سنوياً وهو مبلغ كبير يستحق أن تهتم الحكومة ومجلس النواب وكافة الجهات المعنية ببحث هذه التجربة المصرية الرائدة وكيفية تطبيقها على أرض الواقع لتحقيق الأهداف الصحية والإقتصادية التى كشفنا عنها فى السطور السابقة .