على المستوى الشخصي لا أعرف الإعلامية "ليليان داوود" غير أنها كانت تتابع حسابي على تويتر ، وكنت أتابعها أيضا لأنها كانت مقلة في التعليق ولها لفتات إعلامية مميزة ، كما أني لم يكن لي صلة إعلامية بها ولا بمجموعة أون تي في بكاملها ، لأنها تقاطعني أنا ومحمود سلطان منذ بدايات ثورة يناير ، وثمة موقف شخصي من المهندس نجيب ساويرس مالك القناة ، فلا نظهر على شاشتها أبدا في أي برنامج وأي موضوع ، وكنا نتفهم ذلك ولا نغضب من الزملاء المذيعين أو معدي البرامج ، لإدراكنا أن الأمر ليس بيدهم . وقد تآكلت تدريجيا مساحات البرامج الجيدة في شاشات الفضائيات المصرية من بعد 3 يوليو 2013 ، وانسحب كثيرون من النجوم وانطفأ آخرون وهاجر غيرهم ، ولم يتبق تقريبا سوى برنامج "ليليان" "الصورة كاملة" ، وكان برنامجا حواريا هادئا وغير تحريضي بالمرة ، لكنه يهتم بإبراز الصوت المعارض وخاصة من أبناء ثورة يناير ، وإذا قيس بالبرامج الحوارية الساخنة وسقفها العالي في أعقاب ثورة يناير فسوف يصنف في درجة متواضعة كسقف نقدي ، ومع ذلك كان يبدو أن هناك في الدولة من لا يعجبه هذا الكلام أو أن تذكر ثورة يناير بخير على شاشات التليفزيون حتى الآن ، وكان معروفا بين الصحفيين والإعلاميين أن "ليليان" غير مرضي عنها لأنها محسوبة على ثورة يناير ، وعندما اشترى المحاسب أحمد أبو هشيمة القناة من المهندس ساويرس كنت على يقين أن الصفقة تقتضي إنهاء خدمات "ليليان" تحديدا . وبالفعل كان أبو هشيمة أمس الاثنين ينهي علاقة "ليليان" بالقناة ويلغي تعاقدها ، وبعد إنهاء التعاقد بنصف ساعة تقريبا كانت قوة أمنية تقتحم مسكن "ليليان" وتقتادها إلى جهة قيل أنها غير معلومة ، لكنها بعد قليل والحمد لله أصبحت معلومة ، حيث شوهدت في مطار القاهرة مرحلة إلى لبنان ، وبطبيعة الحال ، من العسير أن تقنع أحدا أن تراتبية الأحداث التي جرت من مالك القناة الجديد إلى العملية الأمنية ، خلال نصف ساعة ، كان عشوائيا أو صدفة ، لكن هذا ليس هو الأهم في الواقعة المؤسفة ، وإنما الأهم أن ما جرى أعاد التأكيد على أن إدارة الشأن السياسي والأمني في البلد يتسم بالتشنج وسيطرة الغضب والأداء "الغشيم" الذي لا يراعي "الحساب" السياسي للوقائع ، والتكلفة التي تتحملها الدولة وسلطتها من جراء سلوك كان يمكن أن يتم بطريقة أخرى وبدون تكاليف باهظة على هذا النحو الذي جرى . السلطات الأمنية في مصر ما زالت تعاني من "ورطة" الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني" المتعاطف مع الثورة المصرية ، والذي تم خطفه من القاهرة لجهة غير معلومة ثم تعذيبه ثم قتله ثم إلقاء جثته في طريق عام ، وهناك اتهامات علنية معروفة في إيطاليا لجهات رسمية في مصر وادعاءات بأن هذا هو سلوكها المعتاد وأن لها سوابق في ذلك ، ففي وسط هذه الاتهامات الحساسة والورطات والصورة المشوهة لك في الخارج والداخل تقوم بعملية اقتحام منزل إعلامية أجنبية متعاطفة مع ثورة يناير وتلقي القبض عليها وتنقلها مباشرة إلى المطار لتشحنها على أول طائرة خلال ساعتين تقريبا فقط لا غير ، هل هذا سلوك معقول لدولة تريد الحفاظ على صورتها وسمعتها الدولية ، هل هذا منطق "عقلاء" في الدولة يهتمون بمحو الصورة المشوهة عن سلوك الجهاز الأمني أمام العالم ، ما هو وجه الخطر الحال والداهم الذي تمثله "ليليان داوود" في مصر بعد إقالتها من عملها التليفزيوني ، وما الضرر الذي سيلحق بمصر وأمنها القومي لو أنها بقيت أسبوعا أو عدة أيام ، هل هي زعيمة تنظيم إرهابي مسلح يوشك على ارتكاب فظائع في البلد ، هل هي "جاسوسة" اكتشفنا فجأة بعد خمس سنوات أنها تمثل خطورة داهمة على الأمن القومي خلال نصف ساعة من إنهاء تعاقدها ، يا أخي حتى الجواسيس لهم ترتيبات معروفة في إبعادهم خلال وقت محدد يتم إخطارهم به ، ما الذي كان يضير مصر وسلطاتها الأمنية والسياسية إذا قامت بإخطار الإعلامية المغضوب عليها بأن إقامتها انتهت في مصر وأن عليها مغادرة البلاد خلال أسبوع أو عدة أيام ، هل كانت "ليليان" ستغافل الأجهزة الأمنية وترفض المغادرة وتختبئ في زراعات القصب في الصعيد مثلا . أرجو أن يجري "عقلاء" في الدولة مراجعة للسيناريو الذي حدث مع "ليليان داوود" وجردة حساب ، عن الخسائر والمكاسب فيما جرى ، فلا يحتاج خصوم النظام ، ومعارضو السيسي ، أكثر من هذا المشهد البائس "الغشيم" الذي جرى مع "ليليان" لكي ينالوا منه ويشهروا به ويلطخوا سمعته بالمزيد من الإدانة ، أو لكي يؤكدوا للعالم الخارجي وللداخل أيضا ، على أن "بعض" أصحاب القرار في الدولة يفتقرون إلى أبسط مقومات الوعي بمصالح النظام ومشروعيته السياسية والقانونية وسمعته .