قُتل ما لا يقل عن 12 جندياً روسياً، وذلك منذ بدأت روسيا حملتها في قصف سوريا في 30 سبتمبر من عام 2015 حسب التأكيدات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية. الأمر لم يقتصر على هذا فقط، فقد اكتشف بعض الصحفيين والمدونين المستلقين، وجود بعض التقارير التي تُفيد بمقتل العشرات والعشرات من الجنود الروس، لكن الحكومة لم تُعلن هذا الأمر. الأمر هنا يختلف تماماً عما حدث خلال الحرب فى أوكرانيا، إذ حاول الكرملين تصوير الأمر على أن من قُتلوا في المعارك هم بعض الانفصاليين المحليين، وذلك على الرغم من ظهور بعض التقارير التي تُفيد بمقتل مئات الجنود الروس خلال تلك الحرب، ففي الحالة السورية هناك اعتراف صريح من قِبل الحكومة الروسية بمقتل الجنود الروس، والذين يتم تكريمهم بعد وفاتهم باعتبارهم أبطالاً. الرواية الرسمية هُناك حرص واضح من قِبل الكرملين فيما يتعلق بالتقارير الرسمية الصادرة التي يتم من خلالها وصف الظروف التي قُتل خلالها هؤلاء الجنود، إذ تحاول الحكومة التأكيد على أن هؤلاء الجنود لم يُقتلوا أثناء المعارك، وأن أقدام الجنود الروس لم تطأ الأرض السورية على الإطلاق، وفقاً لما نشرته صحيفة Daily Beast الأميركية. وبدلاً من ذلك، تحاول الحكومة الروسية إظهار هؤلاء الجنود إما بمظهر الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم لحراسة قوافل المساعدات الإنسانية، أو أنهم قُتلوا خلال تقديم المساعدة سلاح الجو الروسي في توجيه الضربات للأعداء، أو خلال المفاوضات التي كانت تُجرى بمركز التنسيق الروسي الذي أُنشئ من أجل مصالحة الأطراف المتناحرة. وفيما يلي قائمة بالجنود الروس الذين تأكد موتهم في سوريا؛ والتي ذُكر فيها أن أحد هؤلاء الجنود قد قتل نفسه، في حين أن 9 آخرين قُتلوا "أثناء أدائهم لمهام عسكرية"، واثنين آخرين في حادث تحطم طائرة هليكوبتر. انتحر فاديم كوستينكو، والذي عمِل مُتعاقِداً في فوج الدعم الجوي رقم 960، وفقاً لبعض التقارير في 24 أكتوبر الأول عام 2015 أثناء وجوده بقاعدة حميميم الجوية. وقد ادّعى بعض المسؤولين أن انتحاره نتج عن شعوره بحالة من الاكتئاب نتيجة انفصاله عن صديقته وهو التفسير الذي نفته تماماً عائلة القتيل الذي كان يتحدث إليهم بشكل مستمر. وقد أخبر أحد أصدقاء كوستينكو، والذي رفض ذكر اسمه، رُسلان ليفايف، المدون الاستقصائي والذي يعمل ضمن فريق الاستخبارات المعني بالنزاعات، بأنه رأى بعض الأدخنة تخرج من القاعدة الجوية، وذلك في الليلة السابقة على وفاة كوستينكو، وأن هناك 9 جنود آخرين قد لقوا حتفهم في الحادث نفسه. في نوفمبر من عام 2015، شارك فيودور جيورفليك، والذي كان يعمل ضمن القوات الخاصة الروسية والذي خدم أيضاً، وفقاً لتقرير فريق الاستخبارات المعني بالنزاعات، في الاستخبارات العسكرية الروسية حتى نهاية صيف عام 2014، في توجيه الأسلحة عالية الدقة الخاصة بالقوات الجوية الاستراتيجية وذلك وفقاً لأحد المصادر رفيعة المستوى داخل وزارة الدفاع الروسية. وفي سياق متصل، فقد التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأربع أرامل من اللاتي مات أزواجهن في سوريا في 17 مارس عام 2016، وقد كانت يوليا، أرملة فيودور، من ضمنهم. في 24 نوفمبر الماضي، قُتل أوليغ بيشكوف، قائد إحدى الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي سو-24، وذلك بعد أن أسقطت إحدى المقاتلات التركية الطائرة التي كان يقودها. وفي أعقاب إخراج جثمانه من الطائرة المُحطمة، تبين أنه قد أُصيب ب8 رصاصات، وقد كانت أرملته أيضاً ضمن هؤلاء الذين التقاهن بوتين في مارس/آذار 2016. وفي اليوم نفسه الذي قُتل فيه بيشكوف، قُتل أيضاً ألكسندر بوزينتش، أحد رماة البحرية الروسية، وذلك خلال عملية إنقاذ مساعد الطيار الخاص بالطائرة التي كان يقودها بيشكوف. في فبراير من عام 2016، أُصيب إيفان شيرمزن، أحد المستشارين العسكرين المتواجدين داخل سوريا، وذلك في أعقاب الهجوم على أحد مراكز التدريب السورية الذي كان موجوداً بها، وقد توفي شيرمزن فى وقتٍ لاحق متأثراً بإصابته. في 17 مارس من عام 2017، قُتل ألكسندر بروكورنكو، والذي كان يشغل رتبة ملازم في القوات الخاصة الروسية، في منطقة تدمر. وقد اعترف مسؤولون عسكريون روس بمقتل ضابط، لم يتم الإعلان عن اسمه في بادئ الأمر، خلال العمليات التي تمت من أجل استعادة السيطرة على مدينة تدمر. وصرح بعض المقاتلين الأكراد عن دخولهم آنذاك في مفاوضات مع تنظيم داعش وذلك لإعادة جثمان بروكورنكو للقوات الروسية. وتمكن الروس، في 29 إبريل من عام 2016، من إعادة جثمان الظابط لأرض الوطن، وقد تم تكريم الضابط بعد وفاته ومنحه بعض الأوسمة من قبل الرئيس الروسي بوتين. ويُقال إن الظابط بروكورنكو كان محاطاً بالمسلحين، وذلك أثناء توجيهه لبعض الضربات الجوية الروسية بالقرب من مدينة تدمر. وقد أفادت بعض التصريحات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية عن توجية الظابط بروكورنكو الضربة الجوية على نفسه وذلك لحماية زملائه. في إبريل الماضي، قُتل أندريه أوكليدينوف في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في أعقاب سقوطها فوق معاقل للمتمردين خارج حمص، في حين صرح مسؤولون عسكريون روس بأن الطائرة لم يتم إسقاطها. قُتل فيكتور بانكوف في نفس حادث تحطم المروحية الذي قُتل خلاله أندري أوكليدينوف. أُصيب أنطون يرجن، والذي كان يرافق السيارات التي تخرج من المركز الروسي لمصالحة الأطراف المتناحرة داخل سوريا، وذلك في أعقاب فتح المسلحين النار على القافلة التي كان ماجوداً فيها. وقد تم منحه وساماً في أعقاب موته في تلك الحادثة. في 15 يونيو الماضي، أُصيب أندريه تيموشينكو خلال حراسته لأحد القوافل الخاصة بالمساعدات الإنسانية التي يقدمها المركز الروسي للتوفيق بين الأطراف المتناحرة في سوريا، وقد توفي تيموشينكو فى وقتٍ لاحق متأثراً بجراحه. ويُقال إن تيموشينكو قد منع أحد الانتحاريين من الوصول لإحدى المناطق التي يتلقى فيها المدنيون المساعدات الإنسانية. في 16 يونيو الماضي، قُتل ميخائيل شيروكبويس من بلدة سريشوفا، والذي يعمل أيضاً جندياً في سلاح المدفعية الروسية. أكدت بعض التقارير الإخبارية المحلية، والتي تم محوها فى وقتٍ لاحق، على مقتله داخل سوريا. وقد ذكرت وسائل الإعلام القومية لاحقاً أن وزارة الدفاع الروسية قد أكدت وفاة الجندي شيروكبويس. أعداد أخرى وبالإضافة لتلك الوفيات ال11 المؤكدة، فقد كشفت وسائل الإعلام والمدونين المُستقلين عن وجود أعداد أخرى من الجنود الذين لقوا مصرعهم في سوريا. وقد كان فاديم توماكوف من بين هذه الوفيات، وهو مُتعاقِد من أورينبورغ إحدى مدن روسيا، ويُقال إنه من القوات الداخلية التابعة لوزارة الداخلية، ولقي مصرعه "في ظل ظروف مجهولة". يأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه فاسيلى بانشنكوف، رئيس المكتب الصحفى للقوات الداخلية، إن توماكوف خدم في تلك القوات كطاهٍ وموظف إمدادات لوحدة "فيتياز"، وهي إحدى وحدات القوات الخاصة الروسية، في الفترة من 2002 إلى 2004 وقد تم تسريحة بعد أن قضى فترة خدمته ولا يوجد هناك سجل آخر لخدمته.
وفي سياق متصل، قال موقع "Orenday" الإخباري المحلي، إن شخصاً يدعى "فاديم" لقي مصرعه في معركة تحرير سوريا من الإرهابيين التابعين لتنظيم ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ليكون بذلك ثاني مواطن من سكان مدينة أورينبورغ الروسية يموت هناك، حيث كان الأول هو ألكسندر بروكورنكو. وفي مارس ، نشر موقع سانت بطرسبرغ الإخباري (Fontanka.ru) مقالاً عن المرتزقة في الحروب الروسية، مُدّعياً أن خسائر روسيا من الجنود في سوريا "يُقدّر عددها بالعشرات". وبُنيت المادة، التي كتبها ضابط شرطة سابق وخبير أمني يُدعى "دنيس كوروتكوف"، على عدد من القصص السابقة المنشورة في الموقع (Fontanka) عن المرتزقة في الفيلق السلافي، وهو مُتعاقِد عسكري خاص أُنشئ في عام 2013. التحق الكثير من المقاتلين في الفيلق السلافي لاحقاً بمُتعاقِد عسكري خاص آخر يُدعى "فاجنر"، يعود اسمه للاسم الحركي لشخصية غير عادية اعتنقت أيديولوجية الرايخ الثالث وقاتلت في أوكرانيا بالإضافة إلى سوريا. انتقل عدد من مُتعاقدي فاجنر، الذين قاتلوا في شرق أوكرانيا، إلى سوريا، حسبما نقل موقع (Fontanka) العام الماضي. واستطاع كوروتكوف إيجاد تفاصيل لثلاثة مُتعاقدين قُتلوا في سوريا، بالرغم من إيمانه بأن هناك أكثر من ذلك. موت هؤلاء المقاتلين لم يتم الإعلان عنه من قِبَل وزارة الدفاع الروسية لأنهم لم يكونوا رسمياً جزءاً من القوات المسلحة، رغم أن كوروتكوف اكتشف أن البعض منهم قد نال الأوسمة. وأصدر الرئيس فلاديمير بوتين مراسيم سرية لإعطاء منح بعد الوفاة لهؤلاء المُتعاقدين الذين قُتلوا في المعارك في سوريا. كان سيرجي شوبوف، ذو الواحد وخمسين عاماً والرائد الاحتياطي تحت الاسم الحركي "شاب" أو "شوبا"، نائب القائد للإعداد للقتال، وقُتِل خارج دمشق. كما نقل جهاز الأخبار بفريق استخبارات النزاع و"آر بي سي" خبر مقتله. خدم شوبوف في أفغانستان وبالجيش في الشيشان في حربين، وتم نقله إلى السرية السادسة وأربعين للقوات الداخلية التابعة لوزارة الداخلية، قبل أن يستقيل. عندها عاد مجدداً للقتال في سوريا، رغم أن أرملته والمتحدث باسم الكرملين أنكروا وجوده هناك. اعتقد فريق استخبارات النزاع أنه قد عاد كضابط بخدمات العمليات الخاصة أو "كمُفاوض" أو حتى تم إعادة توزيعه في القوات المسلحة. لكن كوروتكوف يقول أنه التحق بفاجنر في مايو/أيار 2014 وانتقل إلى مدينة روستوف ومن ثم إلى قرية فيسيولي، حيثُ كان لدى فاجنر قاعدة تدريبية لإعداد المقاتلين الروس للحرب في أوكرانيا (انتقلت القاعدة لاحقاً إلى مولكينو بمقاطعة كراسنودار). قُتِل شابوف في 8 فبراير 2016، وفقًا للنقش على ضريحه، لكن بعض الأخبار تشير إلى أنه قُتل في يناير. أخبر مصدر ما كوروتكوف بأن رجلاً رماديّ الشعر بسُترة الضباط الجلدية، وضابط بجهاز الأمن الاتحادي برتبة لواء على الأقل، قد جاءا إلى مولكينو لتسليم الأوسمة، بعضها لبعد الوفاة. يقول موقع (Fontanka) إنهم لم يصدقوا القصة في بادئ الأمر، لكنهم حصلوا على وثائق بعد ذلك تثبت هذه المنح؛ بطاقات لمنح بعد الوفاة عليها توقيع بوتين. أما مكسيم كولجانوف، ذو الثمانية وثلاثين عاماً، النبيل القوزاقي من قرية (زيجوليوفسكايا)، فقُتِل في 3 فبراير/شباط 2016 "أثناء تأدية مهمة قتالية"، نقلاً عن منتدى محلي للقوزاق على الإنترنت. كان كولجانوف أيضاً موظفاً من خلال فاجنر، على حد ما يستطيع موقع (Fontanka) تحديده، وخدم كفرد مدفعي ومُشغل "بي إم بي" (عربة المُشاة القتالية) قُرب لاتاكيا. وفّر رفاقه بالجيش صوراً له في اللاذقية. مُرتزق آخر ذهب من خلال علامة النداء "خرطوم مياه"، واسمه الحقيقي غير معروف، يُعتَقَد أنه من بين مُقاتلي فاجنر في صورة بإقليم دونيتسك في أوكرانيا مع محاربين آخرين، قُتِل لاحقاً في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015 أثناء عودته هو ومجموعة من سبعة آخرين من مهمة استطلاعية، بعدما تسبب بتفجير منجم مضاد للأفراد. من الثلاثة وتسعين رجلًا الذين أُرسلوا إلى سوريا، عاد الثُلث فقط آمنين ومُعافين في ديسمبر 2015، حسبما تقول مصادر كوروتكوف. ومع ذلك لم يأتوا بأية أسماء أخرى بخلاف هؤلاء الثلاثة، وأوضحوا أنه كان من الصعب توثيق الوفيات، والتي وقعت بالأساس في يناير وفبراير في المعارك من أجل مدينة "تدمر"، لأن حتى هؤلاء الذين خدموا في نفس العصابة لم يكونوا دائماً على علم بأسماء بعضهم الحقيقية.
توماس جروف، مراسل صحيفة (Wall Street Journal) الذي حاور كوروتكوف، أشار إلى أن كوروتكوف هو الصحفي الوحيد الذي يكتب عن فاجنر أو (أُو إس إم كما يتم تسميتها رسمياً)؛ لا أحد من أعضاء فاجنر نفسها يمكن أن يتحدث لجروف. لكنه وجد ثلاثة مصادر أخرى قامت بتناقل أخبار بأن "ثمانية أو تسعة" من المُتعاقدين من فاجنر قد قُتلوا في أكتوبر 2015 عندما قصفت قذيفة هاون قاعدتهم في غربي سوريا. واحد من هذه المصادر كان مسؤولاً وُصِفَ بأنه "قريب لوزارة الدفاع الروسية" حيث قال إن فاجنر وصل عددها لألف رجل مزودين بدبابات (T-90) ومدافع هاوتزر. مصدر آخر كان إيفان كونوفالوف، مدير مركز أبحاث أمني مقره موسكو ومستشار للمشرعين الذين يحاولون تقنين المتعاقدين العسكريين، الذين يعملون حالياً في مساحة قانونية رمادية. كونوفالوف والمسؤول قالا إن المُتعاقدين الذين قُتلوا كانوا في الأصل أعضاء في الفيلق السلافي، الذي خدم من قبل في سوريا وتم حلّه، لكن عاد لاحقاً لسوريا مع فاجنر. إخفاء القتلى وفي مايو 2015، مرّر بوتين مرسوماً يجعل إفشاء المعلومات بخصوص وفيات الجيش الروسي بالخارج جريمة جنائية؛ بالرغم من وجود قضية قانونية رفعها محامون وصحفيون مستقلون ضد هذا الإجراء، فقد تم تأييده من قِبل المحكمة الدستورية الروسية. حتى قبل ذلك، فالمراسلون الصحفيون والمدوّنون والنشطاء الذين حاولوا تعقُب تقارير الشبكات الاجتماعية لوفيات الجنود الروس في أوكرانيا تم تهديدهم أو ضربهم. كما تم تحذير أقارب الجنود بأنهم يمكن أن يفقدوا استحقاقات الوفاة إذا تحدّثوا للإعلام. أدّت هذه الإجراءات الانتقامية إلى فتور في التغطية الإعلامية لضحايا الحرب. لقد كان الكرملين أكثر انفتاحاً بخصوص الوفيات في سوريا، لكن ذلك لأن حضور القوات الجوية الروسية في سوريا أمر معترف به رسميًا، حيثُ يتم القصف على معاقل "الدولة الإسلامية" ظاهرياً، والذي قد تضمّن في حقيقة الأمر، فتكاً بقوى مُعارضة للرئيس السوري بشّار الأسد. الوفيات ومراسم التكريم بعد الوفاة هي جزء من دعايا الكرملين البطولية التي تؤجج الحرب. لكن عالم المرتزقة المعتم لا يمكن الاعتراف به بواسطة الجيش الروسي، طالما بقي هؤلاء المُتعاقدين غير قانونيين. ومن المحتمل أن تُفضّل روسيا الإبقاء على هذا الأمر كذلك لتحظى "بسياسة الإنكار" قدر الإمكان في سوريا.