أظهر المسلسل أحد وجوه العنف عند الإخوان، وقدموا هم مبرراتهم، وطالبونا بالنظر للموضوع في السياق السياسي والزمني الخاص به، متشبثين بمقولة العنف المبرر. وليكن فلا يمكننا اليوم محاسبة التاريخ، ولا إدانة شخصياته ورؤاهم بعد أن مضوا ومضى زمنهم. كل ما يمكننا أن نحلم به هو عدم تكرار هذا العنف - الدموي والفكري أيضا - في زمننا الحالي. ولكن هل هذا ممكن؟ هل إظهار مساوئ العنف تقلل من فرص إتخاذه مسلكا من قبل الأفراد؟ إنه سؤال جوهري لا أعتقد أن الإجابة عليه مريحة للباحثين عن السلام، ليس بسبب الإخوان وأفكارهم فقط، ولكن مخاوفي تنبع من إدراكي بحقيقة نزوع الكثير من الشخصيات الإنسانية نحو العنف، أكان ذلك حبا للظهور أو إنفاذا لعدالة متخيلة أو انتقاما لغياب القانون. هؤلاء الأفراد محبي العنف دائما ما يبحثون عن مصادر لتقوية نزعاتهم، وللتنفيس عن رغباتهم. أكانت هذه المصادر هي العائلة - كما في الصعيد - ويسعون للأخذ بالثأر ويشجعون عليه، أو كيان تجاري ضخم يمارسون فيه عنف المنافسة، أو الالتصاق بأحد المسئولين مثلما الكموني، أو الانتماء لجماعة أكبر كحزب أو أي جماعة عنيفة ويا حبذا لو كانت لها مظاهر ومبررات دينية تغلف أفعالها مثل طالبان والقاعدة، ومثلما حدث في الثمانينات وبداية التسعينيات في مصر. وإظهار الإخوان المسلمون بهذا المظهر العنيف، كان سيفا ذو حدين ، حده الأول توضيح الصورة واكمالها لمن يستوعب ذلك وحده الثاني سيؤدي حتما للجوء هؤلاء الأفراد النازعين للعنف إليها تقوية لنفوذهم، حتى لو لم يكن التنظيم الحالي يحبذ المسلك العنيف وينتوي التوقف عنه، سيجدون لأنفسهم مكان وسيفرضون لهم وجودا ويخلقون فرصا، فإن لجود هذه الشخصيات والتي ستتغلغل في التنظيم صعودا سيكرر ما حدث في البدايات وصولا لجماعات الثمانينيات وغيرها مرة ثانية، مع شديد الأسف هذه الحقيقة تغيب عنا جميعا. وتأكييدا لطرحي أتسائل: هل كل ما عرض من مسلسلات عن الثأر في الصعيد قلل من جرائمه؟، بالطبع لا، إنها نزعات إنسانية لا يمكن علاجها في الكبر، الحل من الصغر، الحل في التعليم، التعليم، التعليم. فإذا كان العنف هو أحد أخلاقيات الزحام، فزحام الفصول هو أول ما يعانيه الطفل المصري، وارتفاع حدة التنافس على الفرص بداية من فرصة الحصول على مقعد قريب من السبورة واللجوء للعنف من قبل الأهالي قبل الأطفال كسبا لهذه الفرصة هو أول بذرة تغرس في الطفل لتنشئ لنا جيلا عنيفا، وانطلاقا منها صعودا نحو التنافس على مكان في كلية مرموقة والحصول على وظيفة ذات دخل وفير، يكرس أخلاقيات الزحام. إنه حديث يطول ولا يتوقف، ولكن فلنبدأ بالتعليم ، بالتعليم، بالتعليم .. وحتى يمكننا ذلك فلنحاول بالمسلسلات وتثقيف الكبار مع الحذر من حدي السيف.