أتمنى أن يكون الخبر الذى نشرته جريدة «العربى» الأسبوعية، أمس الأول فى صفحتها الأولى غير صحيح جملة وتفصيلاً، لأنه يعنى أننا وصلنا فى مصر إلى درجة لا تحتمل من العبث والفوضى والجنون، التى تجعل من مصر أعجوبة لا مثيل لها فى كل الدنيا. الخبر أن هناك اتجاهاً إلى «هدم» دار أوبرا القاهرة و«نقلها» إلى موقع دار الأوبرا المصرية القديمة التى احترقت عام 1971، وأقيم مكانها «جراج» متعدد الطوابق، وأن الحكومة اليابانية تطالب الحكومة المصرية بدفع 130 مليون دولار أمريكى إذا هدمت المبنى لأنه كان «هدية» من الشعب اليابانى إلى الشعب المصرى، أى من أموال دافعى الضرائب فى اليابان! المبنى ليس «كشكاً» لبيع السجائر حتى يتم «نقله» والحكومة المصرية التى تهدم المبنى لا تمثل الشعب المصرى، لأنه قبل الهدية وسعد بها ولا يمكن لأى مواطن حتى لو لم يدخل هذا المبنى أن يوافق على هدمه.. والحكومة اليابانية لا يجب أن تطالب بتكاليف المبنى، وإنما بأرباح هذه التكاليف منذ نحو ربع قرن، كما يجب أن تطالب باعتذار رسمى عن مجرد التفكير فى «هدم» المبنى، واليابان لم تدع أنها أقامت «أوبرا»، وإنما «مركز ثقافى تعليمى»، ورفضت تماماً تسمية المبنى «أوبرا»، وأصرت على الاسم الرسمى المحفور على اللوحة الرخامية بمناسبة الافتتاح! والسبب فى إصرار اليابان على اسم «المركز الثقافى التعليمى» أن هناك مواصفات فنية خاصة لمسارح الأوبرا، وهى فن غربى، لم تراعها اليابان فى المبنى، ولذلك يصبح من «الغش» أن تسمى «أوبرا».. ولكن الحكومة المصرية أرادت استخدام هدية الشعب اليابانى لإخفاء عجزها عن إعادة بناء دار الأوبرا المصرية التى بناها الخديو إسماعيل عام 1869، وبنى بجوارها مطافئ القاهرة المركزية لإنقاذها إذا تعرضت للحريق، وفضلت إقامة جراج متعدد الطوابق مكانها. وبدلاً من هدم الجراج القبيح وإعادة بناء الأوبرا كما كانت، وهى نسخة من دار أوبرا ميلانو (سكالا) أهم وأشهر أوبرا فى العالم كله، نقرأ عن هدم المركز الثقافى التعليمى الذى بنته اليابان، وبفضله أصبحت منطقة أرض المعارض القديمة من معاقل الثقافة فى العاصمة المصرية، حيث تتضمن متحف الفن الحديث، وقصر الفنون ونقابة التشكيليين، والمجلس الأعلى للثقافة ومركز الإبداع، وصندوق التنمية الثقافية، ومركز الهناجر ومكتبة الموسيقى، والمركز القومى للترجمة، وإن لم يكن هذا هو الجنون، فماذا يكون؟! [email protected]